هل سأل أحدكم نفسه عن كمية السباكة داخل جسمه؟من قبل Aboelmagd Aboelmagd.
مقال للراحل الدكتور
مصطفى محمود*
هل سأل أحدكم نفسه عن كمية السباكة داخل جسمه.. مجموع المواسير داخل العمارة التي هي بدنه، بما فيه من آلاف الوصلات والمجاري التي يجري فيها الدم والبول والطعام والفضلات وعوادم التنفس والهضم.
هل تعلم أن مواسير الدم في جسم الإنسان أكثر ليونة من الكاوتشوك، وأكثر متانة من الحديد، وأطول عمراً من الصلب الكروم، وفي بعضها صمامات لا تسمح بالسير إلا في اتجاه واحد.
ثم مواسير الهواء ابتداء من فتحة الأنف إلى الحلق إلى القصبة الهوائية إلى الشعب ثم الشعيبات التي تتفرع وتتفرع وتنقسم حتى تصل إلى أكثر من مليون غرفة هوائية في الرئتين.
ثم مواسير البول التي تجمع البول من الكليتين لتصب في الحوض ثم الحالب ثم المثانة ثم قناة الصرف النهائية.
ثم مواسير الطعام من الفم إلى البلعوم إلى المعدة إلى الاثنا عشر إلى الأمعاء الدقيقة.
ثم مواسير الفضلات من المصران الصاعد إلى المستعرض إلى الهابط إلى المستقيم إلى الشرج.
ثم ممرات الولادة وغرفها ودهاليزها وأنابيبها.
ثم مجاري المرارة وحوصلتها ومواسيرها.
ثم مجاري الليمف.. ومواقف الليمف ومحطاته في الغدد الليمفية.
وهي مواسير تمر إلى جوارها الفضلات وتحميها شبكة من الأوعية الدموية والأعصاب، وجيوش من خلايا المقاومة تلتهم أي ميكروب يمكن أن يتسرب من هذه المواسير في طريق خاطئ إلى الجسم.
وأنابيب العرق.. وبلايين منها تشق الجلد وتفتح على سطحه لترطبه وتبرده بالعرق.
وأنابيب الدموع داخل حدقة العين تغسل العين وتجلوها.
وأنابيب التشحيم داخل جفن العين تفرز المواد الزيتية لتعطي العين تلك اللمعة الساحرة.
هذا الكم الهائل من السباكة الفنية الدقيقة المعجزة التي تعيش مائة سنة ولا تتلف..
وإذا أصابها التلف أصلحت نفسها بنفسها.
نموذج من الهندسة الإلهية العظيمة التي أهداها الله للإنسان منحة مجانية منذ ميلاده وتولى صيانتها برحمته وعنايته.
فهل أدركنا هذه النعمة وهل قدرناها حق قدرها…!
وكثير من الأمراض سببها أعطال وتلفيات في هذه السباكة:
الإسهال والإمساك والغازات وتطبل البطن، هي أعطال وتلفيات في أنابيب صرف الفضلات. والزكام انسداد في منافذ الهواء داخل الأنف. والناسور هو ثقب في ماسورة الإخراج. واحتباس البول والمغص الكلوي وآلام الكلى سببها أعطال في أنابيب صرف البول!
إن تركيبات (الصحي) في جسمك هي التي تصنع لك صحتك بالفعل، بل هي صحتك ذاتها.. إن أي انقباض في ماسورة معوية يساوي صرخة مغص، وأي ضيق في شريان القلب التاجي يساوي ذبحة، وأي ضيق في ممرات الولادة يساوي إجهاضاً وأي انسداد في قنوات فالوب يساوي عقماً وأي انسداد في مجاري المرارة يساوي صفراء. هذا غير مجاري الليمف والدم والغدد، وهي تتنوع في الجسم بالآلاف، ولكل غدة توصيلاتها وقنواتها ونظامها ودورها في صناعة الصحة التي نتمتع بها دون أن ندري أنها عملية تركيبية معقدة تشترك فيها مئات الأجهزة.
إن الصحة التي نشعر أنها مجرد استطراد لأمر عادي واقع.. ليست بالمرة أمراً عادياً و ليست مجرد واقع مألوف، و إنما هي نتيجة تدبير محكم و ثمرة عمليات معقدة مرسومة بعناية و قصد. و إنما يحدث المرض حينما تتخلف هذه العناية و هي قلما تتخلف.. فإذا تخلفت فـلتشرح لنا أسرارها.. فما عرفنا معجزة الصحة إلا بدراسة المرض، و ما عرفنا معجزة الحياة إلا بالموت.. و بأضدادها عُرِفـَت الأشياء.
وفي محاولاتنا البدائية في بيوتنا وعماراتنا التي نبنيها وهي مجرد ماكينات رمزية صغيرة لا تصل إلى واحد في المليون من العمارة البشرية..
غرقنا في “شبر ميه”..
طفحت مجاري القاهرة ، وتلوث البحر بعوادم المصانع ، واختنق النيل بالفضلات التي تُلقى فيه ، ووقفنا أمام السيفون التالف ننادي على سباك، واختلط الساخن بالبارد والطاهر بالملوث، وفشلنا في صناعة أصغر ماكيت سباكة لا تزيد مواسيره على بضعة أمتار، وغرقنا في بانيو نصف متر..
وهذه صناعتنا وتلك صناعته..
وهذه سباكتنا وتلك سباكته..
وهذه عمارتنا وتلك عمارته..
وهذا خلقنا وذاك خلقه.
” فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ “
—————————-
ما شاءالله ماأروع هذه المقالة وإنني أرى أن مجرد قراأتها عبادة كيف لا وانك في كل فقرة منها تقف لتقول تبارك الله احسن الخالقين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق