يروى انه كان هناك رجلا ثريا يعيش في نعمة وكان أغنى أهل قريته
وكانت عائلته مكونة من أم عجوز طريحة الفراش تكاد تكون منسيه تماما
وأب وأخوة وأبناء وزوجة
وكان هو بالنسبة لهم السيد المتفضل والمنعم الذي لا يخالفون له أمر ولا يردون له طلب
ولكن هذا الرجل لايصلي ولا يذكر ربه ولايهتم لأمر الآخره
وذات يوم بينما كان يجلس على الشاطئ على كرسي عرشه يراقب سفنه وتجارته وعماله جاء اليه رجل من أهل الصلاح فسلم عليه وجلس يحاوره بالصلاة والرجوع إلى ربه
فأجابه بأنه ليس في حاجة إلى الصلاة لأنه يمتلك كل شي المال والجاه والعائلة المحبة ولاينقصه شي أبداً حتى يفكر في الصلاة وأعمال الدين
فقال له إن عبادة الله ليست من أجل الدنيا فقط وإنما يجب أن يفكر في آخرته أيضا وأن كل هؤلاء الناس لن ينفعه تقديرهم له، وأهله لايحبونه بل يتمتعون بماله فقط ولكن بعد موته لن ينفعوه بشي أبداً ولن يفكروا في تخفيف الأذى عنه حتى لو قليلا وأنه بعد موته سوف يجد نفسه وحيداً ولن يبقى معه إلا عبادته لربه
فلم يصدق الرجل الغني كلام الناصح
فقال الناصح هل تريد أن ترى صدق كلامي لك
قال الثري نعم
فجاء الرجل بتابوت ومعه حمالين ليحملوه الى أهله ويخبرهم أنه مات ويرى ماذا يصنعون
فوافق الثري ونام في التابوت وحُمل الى اهلهِ والرجل الناصح يرافقه
حتى وصلوا إلى قصره وادخلوه على اخوته وكانوا جالسين في ساحة القصر ووضعوا التابوت واخبروهم انا اخوهم وولي نعمتهم مات
فتصايحوا وبكوا بشدة
ولما ارادوا ان يفتحوا التابوت ليروه النظرة الاخيرة
قال لهم الرجل الصالح: لاتفتحوه ومنعهم
قالوا لماذا قال لهم: إنكم كما تعلمون أخاكم لم يكن يصلي ولما مات جاء ثعبان كبير وجلس معه فالتابوت ليعذبه حين يدخلوه فالقبر
ولكن هناك أمل في إنقاذه وهو أن يأتي أحد من أهله ويلمس أقدام الميت حتى يعطيه من عمره فيعود للحياة فيتوب ويصلي فيرضى الله عنه وذكرهم بفضله عليهم حين كان حياً
فرفض الإخوة وقالوا كانت له حياة طويلة ورفض الصلاة فيها فلماذا نعطيه الآن من حياتنا اذهبوا به إلى القبر
والرجل الثري يستمع بصمت ويتألم مما يسمع من نكران المعروف
وبينما هم كذلك اذ جاء أبوه وأخبروه أن أبنه مات فبكى وانتحب وطلب ان يراه
ولكن الناصح رفض كما فعل مع أخوته وأخبره بما أخبرهم به
والثري يسمع فقال في نفسه هذا أبي الذي رباني ويحبني وهو سينقذني
ولكن جواب الأب مثل جواب الإخوة ورفض أن يلمس أقدام ابنه وقال اذهبوا به إلى القبر
فقال الرجل نادوا ابنائه فلعلهم ينقذوا أباهم
فقال الثري في نفسه نعم إنهم أبنائي وكم بذلت لهم العطايا وكم أغرقتهم في الحب وصنعت المستحيل من أجلهم فهم الذين سينقذوني
ولكن الأبناء كانوا مثل جدهم وأعمامهم رفضوا إنقاذ أباهم وقالوا إننا مازلنا صغاراً في مقتبل العمر ونريد التمتع بالحياة وبالمال الذي تركه أبونا لنا اذهبوا به إلى القبر
فقال الرجل نادوا زوجته فلعل في قلبها حباً يستطيع إنقاذ زوجها من الهلاك
ولكن الزوجة كان جوابها مثل جواب البقية اذهبوا به إلى القبر
فقال الرجل مسكين هذا الرجل عاش طول حياته يسعى من أجل عائلته ولكن لم ينفعه كل ما صنع من أجلهم وحبهم له لم يستطع إنقاذه من النار هيا نذهب به إلى القبر فلم يبقى من عائلته أحد ينقذه
كل هذا والرجل الثري يسمع ويبكي بحرقه
فقال أصغر أخوته بقيت أمه
قال الرجل الناصح اذهب ونادي أمك لتأتي
فقالوا إنها كبيرة وطريحة الفراش
قال الرجل احملوها لعلها تنقذه
والرجل الثري يسمع ويبكي ويقول في نفسه إذا لم ينقذني كل هؤلاء فهل ستنقذني أُمي التي أهملتها وتركتها ولم أحسن إليها كل هذا الوقت منذ أن رقدت في فراشها وأنا نسيت أن لي أُم
فأتوا بأُمِه وأخبروها بأن ابنها مات
فبكت بشدة وانتحبت وطلبت أن تراه
فمنعها الرجل الناصح وأخبرها بما أخبرهم به وطلب منها إنقاذه فوافقت
فتعجبوا منها وقالوا لها توافقين على إعطاءه ماتبقى من حياتك قالت نعم
قالوا ولكن مانالك من ماله شيء ولا من إحسانه شيء فلماذا تنقذيه؟
قالت إنه أبني وأنا التي حمتله في بطني وتغذى من دمي
منعني من النوم والأكل والشرب براحة
أخرجته بشق نفسي و ربيته بثمن راحتي ولن أتركه لنار وعذاب الأخرة
فبكى الرجل الثري وقام إلى قدمي أُمه يمسحها ويقبلها ويعتذر لها ويطلب الصفح وقال أُمي أنتِ جنة الدنيا وصلاتي مفتاح جنة الأخرة فكيف كنت أضيعهما ….
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق