الصلاة وراء حالق اللحية

السؤال:

هل تصح إمامة من يحلق لحيته ؟

الجواب:

تتمسك بعض الجماعات بإعفاء اللحية، وترمي من يخالف ذلك بالفسق وعدم الائتمام به في الصلاة، فما رأي الدين في ذلك؟
اللحية هي الشعر النابت على الذقن خاصة، وهي مجمع اللحيين، وهما العظمان اللذان تنيت عليهما الأسنان السفلي. والعارضان هما صفحتا الخد.
وإعفاء اللحية –أي تركها بدون حلق- فرط فيه جماعة وأفرطوا في عيب الآخرين، كما أفرط في التمسك بإعفائها جماعة وفرطوا في احترام الآخرين. والدين لا يقر مسلك الطرفين، ذلك أن القدر المتفق عليه بين الفقهاء أن إعفاءها مطلوب، لكنهم اختلفوا في درجة الطلب مع مراعاة علة الحكم وهي مخالفة المشركين، فقال جماعة بوجوب إعفائها، وقال جماعة بالندب، ومعلوم أن الواجب ما يثاب المرء على فعله ويعاقب على تركه، والمندوب ما يثاب المرء على فعله ولا يعاقب على تركه.
فالقائلون بوجوب إعفائها استدلوا بحديث الصحيحين “خالفوا المشركين، وفروا اللحى، واحفوا الشوارب” واللحى بكسر اللام –وقد تضم- جمع لحية. فحملوا الأمر هنا على الوجوب. والقائلون بندب إعفائها استندوا إلى حديث مسلم “عشرة من الفطرة:، قص الشارب وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم –جم برجمة بضم الباء والجيم وهي عقد الأصابع ومفاصلها- ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء” يعني الاستنجاء، قال مصعب: ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة. فقالوا: إن إعفاء اللحية شأنه شأن الأمور المذكورة في الحديث، وليست كلها واجبة، كالسواك والاستنشاق وقص الأظافر، فلماذا لا يكون إعفاؤها مندوبًا؟ ولا يحتج عليهم بأن إعفاء اللحية ورد فيه أمر مخصوص معلل بمخالفة المشركين، وهذه المخالفة تصرف الأمر للوجوب ولا يحتج عليهم بذلك لأن الأمر عندهم في الحديث هو للندب لا للوجوب، ومخالفة المشركين لا تصرف الأمر للوجوب، لأنه لو كانت كل مخالفة للمشركين واجبة لوجب صبغ الشعر الذي ورد فيه الحديث الذي رواه الجماعة “إ ن اليهود لا يصبغون فخالفوهم” وقد أجمع السلف على عدم وجوب صبغ الشعر، فقد صبغ بعض ولم يصبغ بعض آخر كما قاله ابن حجر في فتح الباري. فالأمر هو للإرشاد فقط، وهو لا يفيد الوجوب في كل حال، وفي شرح النووي لصحيح مسلم “ج14 ص80” ما نصه: قال القاضي –عياض- قال الطبراني: الصواب أن الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب وبالنهي عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض، بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة، والنهي لمن له شمط فقط. قال: واختلاف السلف في فصل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك، مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع، ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه في ذلك. ا هـ.
ولهذا قال بعض العلماء: لو قيل في اللحية ما قيل في الصبغ من عدم الخروج على المألوف من عرف أهل البلد لكان أولى، بل لو تركت هذه المسألة وما أشبهها مما ليس فيه قربة ولا يحصل منه ضرر للشخص ولا لغيره –لو تركت لظروف الإنسان وتقديره ونيته ما كان في ذلك بأس. جاء في كتاب نهج البلاغة “ج2 ص141” سئل علي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: “غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود” فقال: إنما قال النبي ذلك والدين قل، فأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما يختار.
جاء في فتاوى الشيخ محمود شلتوت “ص 210” أن الأمر كما يكون للوجوب يكون لمجرد الإرشاد إلى ما هو أفضل، وأن مشابهة المخالفين في الدين إنما تحرم فيما يقصد فيه التشبه من خصالهم الدينية، أما مجرد المشابهة فيما تجري به العادات والأعراف العامة فإنه لا بأس بها ولا كراهة ولا حرمة. ثم قال: الحق أن أمر اللباس والهيئات الشخصية –ومنها حلق اللحى- من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة. ا هـ.
هذه هي الآراء، ولكل مسلم أن يختار منها ما يطمئن إليه قلبه، وإن كنت أرى أن أدلة الطلب قوية وأن القول بالوجوب هو قول جمهور الفقهاء فهو أرجح، وعليه فمن أعفى لحيته يطمئن إلى ثوابه، ومن حلقها لا يجزم بعقابه.
وأنصح بعدم التعصب وحدة الخلاف في هذا الموضوع. إلى الدرجة التي تكون فيها مقاطعة وخصام واحتقار وعدم اقتداء في الصلاة، فالحرمة ليس مجمعًا عليها من الفقهاء، وليست بالقدر الذي حرمت به السرقة والربا والرشوة وما إلى ذلك من الأمور التي يجب أن نوجه إليها اهتمامنا لنطهر أنفسنا ومجتمعنا منها، ولندخر قوانا الفكرية والعصبية والنفسية للوقت الذي ينادينا فيه ديننا للنهوض بأهله وتخليصهم من تحكم العدو فيهم، فذلك جهاد لا ينقطع إلى يوم القيامة.
هذا و حفاء الشارب يقول فيه النووي “شرح صحيح مسلم ج3 ص 151”: ذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: “أحفوا وانهكوا” وهو قول الكوفيين وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال، وقاله مالك، وكان يرى حلقه مثلة، ويأمر بأدب فاعله، وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه، ويذهب هؤلاء إلى أن الإحفاء والجز والقص بمعنى واحد، وهو الأخذ منه حتى يبدو طرف الشفة، وذهب بعض العلماء إلى التخيير بين الأمرين، هذا آخر كلام القاضي والمختار ترك اللحية على حالها وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلا، والمختار في الشارب ترك الاستئصال، والاقتصار على ما يبدو به طرف الشفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق