على جبل عرفات د.مصطفى محمود

 

كيف تحدث مصطفى محمود عن فريضة الحج ووقفة عرفة؟

 

من كتابات د.مصطفى محمود على جبل عرفـــــات 

فى كتابه " الإسلام ماهو " يتذكر العالم المفكر الدكتور مصطفى محمود  ذكرياته يوم أن ذهب إلى أداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام وحضوره وقفة عرفات، فكتب يحكى ماشاهده ويصف ماشعر به أثناء أدائه الفريضة فكتب يقول:

  الشمس تنحدر إلى المغيب على جبل عرفات .

الجبل مزروع بالخيام .. مليون وخمسمائة ألف حاج يحطون عليه كالحمام في ثياب الإحرام الأبيض .. لا تعرف الواحد من الآخر .. لا تعرف مَنْ الفقير ومن الغَني .. ولا تعرف من التركي ومن العربي . اختفت الجنسيات .. واختفت الأزياء المميِزة .. واختفت اللغات .. الكل يلهج بلسان واحد .. حتى الجاوي والصومالي والإندونيسي والزنجي والأذربيجاني  .. الكل يتكلم العربية .. بعضهم ينطقها مكسرة، وبعضهم ينطقها بلكنة أجنبية، وبعضهم يمد بعض الحروف ..والذين لا يعرفون العربية تراهم قد التفوا حول مُطَوِف يُرددون وراءه الدعاء العربي حرفا حرفا في خشوع و ابتهال .. في البقعة التي كنت أقف فيها أكثر من خمس عشرة جنسية مختلفة .. في مكان لا يزيد عن أمتار معدودة .. و هم قطعًا لا يعرفون العربية ، و لم يكونوا يدركون معاني ما يرددون من حروف .. و إنما شعروا بها بقلوبــهم فبـــكـوا .  ولكنك تستطيع أن تفهم مِن الجميع .. وتستطيع أن تسمع أنهم يهتفون ..

" لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك"    " لبيـــــك اللهــــــم لبيـــــك " 

 فالكل كانوا يبدون لعيني وكأنهم عائلة واحدة في مجلس عائلي حميم، كان كل واحد يشعر أنه يخاطب الله بهذه الحروف وأنه في حضرة الله وفي ضيافته وفي رحابه.. وأنه يقف حيث كان يقف محمد عليه الصلاة والسلام.. النبي العظيم البدوي الفقير الأمي.. وأنه يسجد حيث كان يسجد، ويركع حيث كان يركع، ويردد ما كان يردده من دعاء.. بذات اللسان العربي.. وفي ذات اليوم.و في ذات الجمعة من ذي الحجة .. و لعل ذبذبات صوت النبي و أصوات أصحابه ما زال في الفضاء حوله .. فلا شئ يفنى في الطبيعة و لا شئ يُستحدَثْ . ..

يقول الدكتور مصطفى  محمود:سألني صديقي وهو رجل كثير الشك: وما السر في ثياب الإحرام البيضاء وضرورة لبسها على اللحم وتحريم لبس المخيط.. وما معنى رجم إبليس والطواف حول الكعبة وقال: ألا ترى معي أنها بقايا وثنية؟ قلت له: من يسعى إلى الله بعقله وقلبه.. يقول له الله: إن هذا لا يكفي.. لابد أن تسعى على قدميك، والحج والطواف رمزا لهذا السعي الذي يكتمل فيه الحب شعورًا وقولًا وفعلًا، 

وهنا معنى التوحيد، أن تتوحد جسدًا وروحًا بأفعالك وكلماتك  ، ولهذا نركع ونسجد في الصلاة ولا نكتفي بخشوع القلب.. فهذه الوحدة بين القلب والجسد يتجلى فيها الإيمان بأصدق مما يتجلى في رجل يكتفي بالتأمل.

ملابس الاحرام البيضاء 


أما ثياب الإحرام البيضاء فهي رمز الوحدة الكبرى التي تذوب فيها الأجناس ويتساوى فيها الفقير والغني.. المهراجا وأتباعه.
ونحن نلبسها على اللحم.. كما حدث حينما نزلنا إلى العالم في لحظة الميلاد وكما سوف يحدث حينما نغادره بالموت.. جئنا ملفوفين في لفافة بيضاء على اللحم.. ونخرج من الدنيا بذات اللفة..هي رمز للتجرد.. لأن لحظة اللقاء بالله تحتاج إلى التجرد كل التجرد، ولهذا قال الله لموسى:اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى، هو التجرد المناسب لجلال الموقف، أما أمام الله فنحن لا شيء.. لا نكاد نساوي شيئًا، وعلينا أن نخلع كل ثياب الغرور وكل الزينة.

قال صديقي في خبث: ورجم إبليس؟ قلت: أنت تضع باقة ورد على نصب تذكاري للجندي المجهول، وتلقي خطبة لتحيته.. هل أنت وثني؟ لماذا تعتبرني وثنيًا إذا رشقت النصب التذكاري للشيطان بحجر ولعنته.. إنها نفس الفكرة..إنها كلها رمزيات، وبالمثل السعي بين الصفا والمروة إلى حيث نبعت عين زمزم التي ارتوى منها إسماعيل وأمه هاجر.. هي إحياء ذكرى عزيزة ويوم لا يُنسى في حياة النبي والجد اسماعيل وأمه المصرية هاجر.

لا طقوس ولا كهنوت فى الاسلام 

وجميع شعائر ديننا  ليست طقوسًا كهنوتية بالمعنى المعروف، وإنما هي نوع من الأفعال التكاملية التي يتكامل بها الشعور والتي تسترد بها النفس الموزعة وحدتها، إنها وسيلة لخلق إنسان موحد.. قوله هو فعله.. فالكرم لا معنى له إذا ظل تصريحًا شفويًا باللسان، وإنما لابد أن تمتد اليد إلى الجيب ثم تنبسط في عطاء ليكون الكرم كرمًا حقيقيًا، ولهذا كان الإسلام هو الدين الوحيد الذي بلا طقوس وبلا كهنوت وبلا كهنة.

لبيك اللهم لبيك لاشريك لك 

ألا تراهم أمامك أكثر من مليون يكلمون الله مباشرة بلا واسطة ويركعون على الأرض العراء حيث لا محاريب ولا مآذن ولا قباب ولا منابر ولا سجاجيد ولا سقوف منقوشة بالذهب ولا جدران من المرمر والرخام  ، لا شيء سوى العراء، ونفوسنا تعرت أمام خالقها فهي عراء، ونحن نبكي.. كلنا نبكي، وسكت صديقي وارتفعت أصوات التلبية. لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق