تتملكني ضحكة بائسة حين أنظر في عيون الواقفين على شفا حرب أهلية غير مسبوقة في تاريخنا القديم أو الحديث وهم يحصون على حبات مسابحهم آخر أيام الوفاق يين أبناء الوطن. وتذكرني أصواتهم المبحوحة وعروقهم المنتفخة بهيشات الأسواق حيث يقف البائعون فوق عرباتهم الخشبية يروجون لبضاعة كاسدة، ويمسكون بقطع الملابس النسوية يعرضونها دون حياء على أعين المارة، فيتعثر ذوو الحياء في رصيف الشارع وهم يمرون من بينهم غاضّي البصر منكسي الرؤوس.
لكنني على يقين أن كوميديانا السوداء لن تغريني كما لن تغري أحدا بالضحك بعد نزع فتيل فجر الثلاثين من يونيو الجاري، لأن بائعا يومها لن يسمع لبائع، ولن يجد العاشقون لتراب مصر ممرا بين عربات البؤس المحتشدة في سوق الوطن الكبير. ولن يجد المارون رصيفا يواري سوآت خطواتهم المضطربة بعد أن تصبح الحجارة والمولوتوف تلالا تحت أقدامهم المتعبة.
مضحكة تبريراتكم وفاسد منطقكم أيها الواقفون على عربات جندكم المصفحة، لكنكم رغم بذاءة خطاباتكم، تجدون آذانا تسمع وقلوبا صما وزبائن جاهزة لشراء بضائعكم الكاسدة دون تدبر. سيكون يوم نفيركم ملحمة لا مرحمة، وستجدون آلاف المبررات لفقء العيون وسحل النساء وقهر البسطاء. فلتسرجوا خيولكم وترتبوا صفوف جندكم وتوزعوا الألوية على النواصي وأقسام الشرطة وبيوت الله التي لن يدخلها أحدا إلا لماما لأن صلاة المصريين ستكون من ذلك اليوم فصاعدا صلاة خوف.
أيها الجنود الواقفون على حافة المذبحة، لا يغرنكم المتحدثون باسم الوطن أو المقاتلون باسم الرب، فكلهم يروجون لبضائع بالية لا تنصر قيمة ولا تعلي راية. تراجعوا أيها المدججون بأسلحة العنصرية البغيضة قبل أن تلوث أياديكم بدماء وطنيين مثلكم يظنون كما تظنون أنهم على شيء.
ستقفون طويلا في أحذية الكراهية البغيضة ولن يجني قاتل من دماء ضحيته إلا العار في الدنيا واليأس من رحمة الله في الآخرة، ولن تغني عنكم فئتكم شيئا وإن كثرت، وستلقون الله وأياديكم تقطر دما وصدوركم تنضح غلا. ويوم تضع الحرب أوزارها، لن يجد أحدكم مأوى آمنا لصغاره ولا وسادة طرية تحمل رأسه المكدود، لأن أشباح القتلى ستطاردكم حتى آخر نفس.
فذات حرب أهلية كتلك التي تصطفون فيها، بعث جندي أمريكي قانط إلى الرئيس لنكولن برسالة دامية قال فيها: "سيدي الرئيس، لي في الخدمة ثمانية عشر شهرا، ولم أتلق منكم فلسا واحدا. لهذا، أستأذنك سيدي في خمسة عشر يوما، أنقل فيها متاع أهلي من شقتنا الحالية إلى سكن أكثر بؤسا وأقل كلفة." ولأن لينكولن لم يكن يملك خيارا آخر، فقد أمر للجندي بإجازة فورية.
لا يملك رؤساء كتائب الكراهية لجنود حملوا أوزارهم إلا تسريحا مؤقتا ريثما يلقون عظام رفاقهم في أقرب حاوية أو يضعون ذويهم في بيوت أشد بؤسا. هؤلاء الذين يجيدون مط عروق رقابهم سينقلون وطنهم من مأوى فقير إلى مأوى بائس فقير، رغم أنني لا أعلم أشد بؤسا من ساكني الصفيح وساكني العراء في بلادنا، وهم كُثر. ولا أرى انتصارا مهما كان حجمه قادرا على لم عظام المبعدين من شفقة قادة الجند في أي حيز أشد فقرا. فلا فقر ولا مذلة أشد على ساكني العراء من بقائهم خارج حدود وطن سكنهم دهرا ولم يسكنوه برهة.
لا تسمعوا للمتمردين ولا للمتجردين أيها الجنود المخلصون طالما أنهم يحثونكم على الكراهية ويحضونكم على القتل. فروا بدينكم وأنتم في فسحة منه، قبل أن تضيق عليكم سبله وتضيق عليكم أنفسكم وتتمنوا الموت فلا تجدوه، فقد قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: "لا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ". وأطيعوا رسولكم بإغضاب من يأمركم بالمنكر ويدعوكم إلى سفك دمائكم وانتهاك حرماتكم، وكونوا أحلاس بيوتكم في الفتن، واذكروا قول نبيكم: "كَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ ، وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ " يَعْنِي فِي الْفِتْنَةِ " وَالْزَمُوا أَجْوَافَ الْبُيُوتِ ، وَكُونُوا فِيهَا كَالْخَيِّرِ مِنَ ابَنِي آدَمَ ". كونوا كهابيل وكفوا أياديكم ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واتقوا الله لعلكم تُرحمون.
عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات
لكنني على يقين أن كوميديانا السوداء لن تغريني كما لن تغري أحدا بالضحك بعد نزع فتيل فجر الثلاثين من يونيو الجاري، لأن بائعا يومها لن يسمع لبائع، ولن يجد العاشقون لتراب مصر ممرا بين عربات البؤس المحتشدة في سوق الوطن الكبير. ولن يجد المارون رصيفا يواري سوآت خطواتهم المضطربة بعد أن تصبح الحجارة والمولوتوف تلالا تحت أقدامهم المتعبة.
مضحكة تبريراتكم وفاسد منطقكم أيها الواقفون على عربات جندكم المصفحة، لكنكم رغم بذاءة خطاباتكم، تجدون آذانا تسمع وقلوبا صما وزبائن جاهزة لشراء بضائعكم الكاسدة دون تدبر. سيكون يوم نفيركم ملحمة لا مرحمة، وستجدون آلاف المبررات لفقء العيون وسحل النساء وقهر البسطاء. فلتسرجوا خيولكم وترتبوا صفوف جندكم وتوزعوا الألوية على النواصي وأقسام الشرطة وبيوت الله التي لن يدخلها أحدا إلا لماما لأن صلاة المصريين ستكون من ذلك اليوم فصاعدا صلاة خوف.
أيها الجنود الواقفون على حافة المذبحة، لا يغرنكم المتحدثون باسم الوطن أو المقاتلون باسم الرب، فكلهم يروجون لبضائع بالية لا تنصر قيمة ولا تعلي راية. تراجعوا أيها المدججون بأسلحة العنصرية البغيضة قبل أن تلوث أياديكم بدماء وطنيين مثلكم يظنون كما تظنون أنهم على شيء.
ستقفون طويلا في أحذية الكراهية البغيضة ولن يجني قاتل من دماء ضحيته إلا العار في الدنيا واليأس من رحمة الله في الآخرة، ولن تغني عنكم فئتكم شيئا وإن كثرت، وستلقون الله وأياديكم تقطر دما وصدوركم تنضح غلا. ويوم تضع الحرب أوزارها، لن يجد أحدكم مأوى آمنا لصغاره ولا وسادة طرية تحمل رأسه المكدود، لأن أشباح القتلى ستطاردكم حتى آخر نفس.
فذات حرب أهلية كتلك التي تصطفون فيها، بعث جندي أمريكي قانط إلى الرئيس لنكولن برسالة دامية قال فيها: "سيدي الرئيس، لي في الخدمة ثمانية عشر شهرا، ولم أتلق منكم فلسا واحدا. لهذا، أستأذنك سيدي في خمسة عشر يوما، أنقل فيها متاع أهلي من شقتنا الحالية إلى سكن أكثر بؤسا وأقل كلفة." ولأن لينكولن لم يكن يملك خيارا آخر، فقد أمر للجندي بإجازة فورية.
لا يملك رؤساء كتائب الكراهية لجنود حملوا أوزارهم إلا تسريحا مؤقتا ريثما يلقون عظام رفاقهم في أقرب حاوية أو يضعون ذويهم في بيوت أشد بؤسا. هؤلاء الذين يجيدون مط عروق رقابهم سينقلون وطنهم من مأوى فقير إلى مأوى بائس فقير، رغم أنني لا أعلم أشد بؤسا من ساكني الصفيح وساكني العراء في بلادنا، وهم كُثر. ولا أرى انتصارا مهما كان حجمه قادرا على لم عظام المبعدين من شفقة قادة الجند في أي حيز أشد فقرا. فلا فقر ولا مذلة أشد على ساكني العراء من بقائهم خارج حدود وطن سكنهم دهرا ولم يسكنوه برهة.
لا تسمعوا للمتمردين ولا للمتجردين أيها الجنود المخلصون طالما أنهم يحثونكم على الكراهية ويحضونكم على القتل. فروا بدينكم وأنتم في فسحة منه، قبل أن تضيق عليكم سبله وتضيق عليكم أنفسكم وتتمنوا الموت فلا تجدوه، فقد قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: "لا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ". وأطيعوا رسولكم بإغضاب من يأمركم بالمنكر ويدعوكم إلى سفك دمائكم وانتهاك حرماتكم، وكونوا أحلاس بيوتكم في الفتن، واذكروا قول نبيكم: "كَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ ، وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ " يَعْنِي فِي الْفِتْنَةِ " وَالْزَمُوا أَجْوَافَ الْبُيُوتِ ، وَكُونُوا فِيهَا كَالْخَيِّرِ مِنَ ابَنِي آدَمَ ". كونوا كهابيل وكفوا أياديكم ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واتقوا الله لعلكم تُرحمون.
عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق