عش دوماً مع الله تعالى
من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم
(اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا)
لفت نظري هذا الدعاء فاستدعيت همي يوماً من داخل قلبي،
حتى أصارحه ويصارحني، فقلت: يا همي ما أصناف الهموم عندكم؟
قال: عندنا الهموم صنفان: إما هم دنيوي أو أخروي،
قلت: وكيف أعرف نفسي، وأصنف همي؟
قال: تستطيع أن تعرف همك من العلامات التي ذكرها ابن قيم
الجوزية –رحمه الله– حين قال:
إذا أصبح العبد وأمسى ليس همه إلا الله وحده:
تحمل الله سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كل ما أهمه، وفرغ قلبه
لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وأما من كان همه الدنيا
وما فيها حمله الله هموم الدنيا وغمومها وأنكادها، ووكله إلى نفسه،
فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم،
وجوارحه عن طاعته بخدمتهم، وإشغالهم فهو يكدح كدح الوحوش.
قلت: أريد أن أسالك سؤالاً ولكني أستحي لأني مقصر في حق ربي،
قال: لا تتردد فحوارنا هذا سيساعدك على جعل همك للآخرة،
قلت: كيف أعرف أن همي أخروي؟
قال: إنه لسؤال جيد ومهم وقد كفانا إجابته الإمام المحاسبي رحمه الله
عندما وصف نظرة الناس لمن كان همه الآخرة
فقال: يحسبه الجاهل صميتاً عيياً وحكمته أصمتته، ويحسبه الأحمق
مهذاراً والنصيحة لله أنطقته، لا يتعرض لما لا يعنيه،
ولا يتكلف فوق ما يكفيه، الناس منه في راحة، وهو من نفسه
في تعب، قد أمات بالورع حرصه، وحسم بالتقى طمعه،
وأفنى بنور العلم شهواته.
قلت: إنه لوصف جميل ولكني سمعت مرة أنه من جعل الدنيا همه
أعطاه الله ما تمنى، ومن جعل الآخرة همه رزقه الله الآخرة
وأقبلت عليه الدنيا، فهل هذا صحيح؟
قال: نعم وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله:
(من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله،
وأتته الدنيا وهى راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين
عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له)،
قلت: لم أفهم عبارة (جعل الله فقره بين عينيه)؟
قال: يعني الفقر يكون ساكنا ومقيما بين عينيه فمهما كان لديه
من النعم من مال وصحة وزوجة وأولاد وسكن وأمن وعمل،
فإنه دائما يرى نفسه فقيرا ومحتاجا لأن عينه لا ترى إلا الفقر الذي
أمامها ولا يستطعم بلذة النعمة أو يستمتع بها، وهذا حال أكثر الناس.
قلت: والله كلامك صحيح فإني أعرف رجلا يملك مليون دينار
فلما قيل له إن زكاتك خمسة وعشرين ألفا قال إنها كثيرة،
فعينه رأت الخمسة والعشرين ألفا وهي نسبة 2.5%
وهو حق الفقراء ولم تر التسعمائة وخمسة وسبعين ألفا
وهي نسبة 97.5% والتي في ملكه،
قال: نعم هذا صحيح وبعض الناس يرى النعمة التي عند الآخرين
ولا يرى الخير الكبير الذي ينعم به، فهذا ممن جعل الله
فقره بين عينيه.
قلت: أنا أتمنى أن يكون همي الآخرة فأعطيها الأولوية في حياتي،
قال: لقد ذكرت لك كيف تجعلها أولوية في حياتك،
وإن أركان الإسلام تساعدنا على ذلك فقد جعل الله لنا في اليوم
خمس صلوات حتى يكون
القلب بين حالتين، إما في الصلاة، أو في انتظار الصلاة،
فيعيش دوماً مع الله تعالى ولا تشغله الدنيا بمشاغلها،
وأما الصيام فأنت تعيش ثلاثين يوما في السنة مع الله تعالى
في الليل والنهار وأما الحج فمرة في العمر،
فكل هذه تساعد القلب ليكون همه الآخرة فيسعد في الدنيا والآخرة
ومع هذا نقول لك
(ولا تنس نصيبك من الدنيا).
د. جاسم المطوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق