مقاله اليوم 9 يناير 2019 للكاتب/ مأمون البسيونى
يذكّرنى الاحتفال بافتتاح مسجد الفتّاح العليم وكاتدرائيّة السيد المسيح بالعاصمة الإداريّة الجديدة بثلاثة كتب كنت قد وعدت بإعادة عرضها.. بدأت بعرض كتاب ستيفن هوكنج الذى فارق الحياة منذ شهور : الكون فى قشرة جوز, وأعرض الآن الكتاب الثانى. وربّمايتصوّر السيّد الرئيس وشيخ الأزهر وبطريرك الكرازة المرقسيّة أنّهم يضعون نهاية لحلول بائسة تتملّص ممّا هو ملقى على عاتق المقاتلين فى مواجهة الإرهاب, غير أنّ آخرين محبّين لمصر وأهلها,يرون حلولا أخرى ومهام لدولة جديدة تتمنّى لوكان الاحتفال هو لإقامة أكبر مركز فى الشرق الأوسط للبحث فيماتقدّمه علوم الفيزيا الحديثة. وقد سئل “إينيشتين”فى أحد المرّات : ماهى مجالات الاختيار عند الربّ لحظة بناء الكون ؟ والمشكلة هل تقدر الكاتدرائيّة ومسجد الفتاح العليم أن يساعدا الناس العاديين من المشاركة فى متابعة إجابة “إينيشتين” أم الأسهل هو مصافحة الشيخ للقسيس والهلال مع الصليب .
-11- بيولوجيا
الكتاب : الجديد فى الإنتخاب الطبيعى
المؤلف: ريتشارد دوكنز
المترجم:د.مصطفى إبراهيم فههمى
الناشر : مهرجان القراءة للجميع
********
يقول المؤلف فى التمهيد لكتابه ، أنه كتبه باعتقاد راسخ بأن وجودنا وإن طرح ذات يوم على أنه أعظم الألغازكلّها ،إلاّ أنه لم يعد لغزا فقد تمّ حلُّه. وقام بذلك “داروين”و” والاس”وإن كنَّا سنستمر زمنا على إضافة ملاحظات هامشية على ما قدّماه . ومن السهل ان يتقبَّل مثل هذا الإعتقادأناس درَّ بتهم نخبهم الثقافية على معلومات من مثل : كيف قاس العلماء عمر الكون ؟ وكيف فكَّر داروين فى أصل الحياة والإنتخاب الطبيعى؟ فمهّدوا لعقولهم القدرة على التعامل مع عالم يتزايد تعقُّدا كل لحظة . أعتقد أننا فى حاجة إلى مزيد من التأليف والترجمة حول هذه المعرفة ،وماتحمله من تغييرات وتفكيكات ثقافية وأخلاقية يجب أن نتوقّعها قبل أن نفاجاء إن الكثيرين فى بلادنا ليسوا فحسب غير منتبهين إلى الحل الرائع للغز الوجود، بل إنهم وفى حالات كثيرة وعلى نحو لايصدّق لايفكرون فى وجودههم .والمشكلة هى مشكلة التصميم المركّب ، روعة التركيب البيولوجى لأجسامنا..وصعوبة تصوّر أنه بدأ بخطوات غاية فى البساطة. سوف يساعدك العلماء ممن أعرض كتبهم على قبول التفكير فى القضيّة ،وإذا وجدت اغراءا فى اقتنائها –وهى رخيصة الثمن جدّا –فاقترح عليك أن تضعها إلى جوارك وانت تنتقل من واحد للآخر. سيكون لك حكم مختلف حول معقولية نشأة الحياة على الأرض بطريقة مختلفة عمّا ورثناه من معرفة.ستفكِّر فى الحجّة الشائعة من أنّ أىّ كيميائى قد فشل حتى الآن فى أن يصنع فى المعمل صورة من صورالحياة .ولن تعود إلى استخدام هذه الحجّة كما لو كانت تؤلّف البرهان الأبدى ،على أن الأشياء الحيّة لاتخضع للبحث عن نظرية من تأليف البشر لبزوغ الحياة وتطورّها وارتقائها . وفى منتصف القرن التاسع عشر ظهر كتاب أصل الأنواع لداروين وفيه نظريّته عن النشوء والإرتقاء والإنتخاب الطبيعى .وقد أثار الكتاب ضجّة كبرى بين العلماء وغير العلماء ،ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ . ومضى الآن اكثرمن قرن ونصف قرن على الجدل ، حتى أصبحت نظريّة النشوء والإرتقاء جزءا من المناهج الدراسية لطلبة البيولوجيا فى العالم كلّه .
ليس من شىء “خارق للطبيعة ” أو “قوّة حياة “تنافس القوى الأساسية لقوانين الفيزياء .والبداية كانت فى المحيطات الأوليّة التى كانت تغطّى كوكب الأرض منذ بلايين السنين – أمكن تحديدها بأربعة بلايين عام -. وأصبح قابلا للتصديق –حتى بين رجال الدين-أنّه قد حدثت اصطدامات عشوائية بين الذرّات ادّت إلى تكوين جزيئات كبيرة تستطيع أن تنسخ نفسها متكاثرة ،وأن تجمع نفسها فى بنيات أكثر تعقّدا .وما أصبحنا نعرفه بالفعل ،هو أن جزىء “د.ن.ا “أو”D.N.A” المعقّد تعقيدا بالغا ،قد انبثق منذ ثلاثة بلايين ونصف البليون من الأعوام .ولم يعد المهم الآن الدخول فى الجدل لإثبات صحّة الداروينية، ولبّها حقيقة غاية فى البساطة ،وهى أن التكاثر مع وجود تباين وراثى وانتخاب طبيعى عبر مئات ملايين السنين قد أدّى إلى نشوء الحياة وتطوّرها.ولمن يريد أن يزداد يقينا ،فسوف يجد ذلك واضحا فى تفنيد الداروينية فى كتاب دوكنز ، ويرى مؤيدوه من العلماءأنه وطّد من دعائم آراء داروين فى البيولوجيا وقام بتثويرها بمثل ما وطّدت آراءجاليليو دعائم ثورة كوبرنيكوس حول الكون . هدف منشود.. غاية ومقصد..معجزة..حظّ..صدفة ،سوف يساعدك عالم البيولوجيا ريتشارد دوكنز أن تعمل عقلك وتفكّر فى وجودك وتحاول أن تفهمه ..تعرف شيئا حول المسائل التى هى على درجة بالغة من قلّة الإحتمال . وتظهر قدرات دوكنز فى الأمثلة العديدة التى ضربها ليبيّن إمكانية حدوث التطوّر من خلال عمليات الإنتخاب الطبيعى على خطوات متدرّجة مما هوبسيط جدا إلى ما هو مركّب جدا . كتطوّر العين من جزء على سطح الجلد ،يبدأ حسّاسا للضوء حتي يصل إلى جهاز معقّد للرؤية ،يشيرإلى ويناقش تطورالأجنحة والرئة.ويذكر أن داروين تحدّى معارضيه بأنه يقبل أن تنهارنظريته انهيارا مطلقا ،إذا أثبت أحدهم أنه يوجد أى عضو مركب لايمكن احتمال تكوينه بتغييرات ضئيلة عديدة متتالية . وينبهنا إلى مااخترعناه ، ويقوم بتصميم برنا مج على الكمبيوتر يثبت أن نقطة عشوائية يمكنها أن تمضى إلى تجمعات تفضى إلى تصميم مركّب تصبح له قوانين . أشياء كثيرة تحدث حولنا وبأيدينا تسهِّل اقتناعنا بأن يكون جدُّنا الأبعد هو الأميبا. وثمة ما يستحقّ أن نستشهد به عند ج.ب.س هالدين وهو يبين أن شيئا يشبه التحوّل من “الأميبا”إلى الإنسان لازال يحدث كل يوم داخل رحم كلّ أمّ.
غير أننا تجاوزنا فى فهمنا للموضوع هذه الأبعاد الضيقة .فستيفن هوكنج يتوقّع التدخّل فى الإنتخاب الطبيعى،حيث يكون البشر بعد أربعمائة عام غيرنا. وهو يتوقّع أن الجنس البشرى وما فيه من “دنا”سوف يزداد تعقّدا زيادة سريعة بفضل تدخلاّت الإنسان. هاك فكرة خلاَّبة ..دعنا نفكِّر فى مقصورات تدريب روَّاد الفضاء على انعدام الوزن والمكوث أشهرا أو سنوات فى محطَّات الفضاء المدارية او الخروج من السفينة لإصلاح عطل أو الهبوط على سطح القمر اوالسفر إلى المرِّيخ ..هذه مهام تقوم بها الآن وكالة ناسا فى أمريكا ومراكز الفضاء فى روسيا ،ولكن بجهد شاقّ وتكلفة عالية . ويظلّ “الإختيار الإصطناعى”-إذا صحّ التعبير- على هذا النحو مكلّفا وشاقّا وبطيئا ومتّسما باالندرة..ولايحقِّق لأجيال قادمة ،لاطموحاتنا فى ستار تريك ولا آمال الألوف الحاجزة على قوائم الإنتظار للسفر إلى القمر أو المرّيخ . لابدّ أن يكون ألإختلاف أساسيا ، فنحن لن نكتفى بزيارة مجموعتنا الشمسية ومن المحتمل أن نحاول السفر إلى ماوراء هذه المنظومة. وإذا كان كوكبنا-الأرض- المنزوى فى نظامنا الشمسى المنزوى على الذراع الخارجى لمجرّتناالمنزوية -درب التبّانة- فى هذا الكون الشاسع هو ماينبغى أن ينفرد بالحياة ،فثمّة إغراء بأن يكون ألإنسان هو الكائن المحظوظ بالتأمّل فى نشأته ونشأة الحياة ومتابعة المسيرة . وإذا لم نستهلك كلّ حصّتنا من الحظّ ’’ والكلام من عندنا’’فى خيابات الاقتتال والجرى وراء اسلحة الدمار الشامل والحرب على أفغانستان والعراق وإقامة الجدار العازل بين اليهود والفلسطيينيين،فسيكون لدينا وفرة ننفقها على التطوّر التراكمى للمخّ والذكاء. قليل جدّا من هذا الحظّ نراه فى الوجه البينى ” inter face”البيولوجى الإلكترونى.قد يحدث خلال عقدين من السنبن أن يوجد كمبيوتربألف دولار معقّد مثل المخّ البشرى .وسوف تستطيع وحدات معالجة المعلومات فى هذا الجهاز أن تحاكى طريقة عمل مخّنا وتجعل الكمبيوترات تسلك بطرائق ذكيّة واعية .وربّما ستنتج عمليات الزرع العصبية للشرائح الإلكترونية داخل أدمغة البشر ، وجها بينيا للمخ البشرى والكمبيو ترات ، بما يذيب المسافة بين الذكاء البيولوجى والإلكترونى. وسوف تؤدِّى عمليات الزرع هذه ،إلى تعزيز الذاكرة البشريّة وإلى توفير تحميلات كاملة من المعلومات .مثل تعلّم لغة بأكملها أو على الأقلّ محتويا ت هذه الكتب الثلاثة التى أعرضها فى دقائق.والبشر الذين سيتناولهم “الجديد فىالإنتخاب الطبيعى ” لن يشبهونا إلاّ قليلا. وقد ظلّ الجنس البشرى فى شكله الحالى لمدّة مليونين فقط من بين خمسة عشر بليون عام أو ما يقرب مرّت منذ الإنفجار الكبير . وليست الأفكار عن التحسين أوالنوعيّة هو ما يجب أن يخطر على أذها ننا كما فعلنا بالنباتات والحيوانات ،إن الأهم هو مايتعلّق بخصائصنا العقلية . وقدبدأنا بالفعل ندرك أن النجوم فى السماء ليست فقط مجرّد نقاط ضوء لتزيينها وإبهاج الناظرين . أو انّها تخرج عن مسارها لتمارس تأ ثيرات على حيواتنا الصغيرة ، من الحب إلى الزواج إلى العمل إلى كسب المال..على أنّ التطوّر الجديد المثير لم يتوقف عندالتدقيق والتحديق فىالسماء،لم تكن الكواكب والشموس والمجرّات هى الأكثر تعقيدا ، كما يصوِّر الأمر د. زغلول النجّار . إنها سحب من الغاز اوالجسيمات الدقيقة او كتل المادّة المحتشدة بتكرار لانهائى للأنماط الذريّة. وليس لها بالمعايير البيولوجيّة أىّ أجزاء عاملة معقّدة ، وسلوكها بسيط جدا حتى ليصلح لتوصيفه استخدام ما يوجد من لغة رياضية. وعند هذه النقطة فلربّما كان علينا أن نفتش فى الكون لأننا أردنا أن نعرف كيف نفسّر وجودنا وكيف نطوّره؟ ونوع التفسير والتطويرالذى نخرج به يجب ألاّ يتناقض مع قوانين الفيزياء ،والحقيقة أنه سيستخدم هذه القوانين ولكن بطريقة خاصّة يكمن فىلبِّها سرُّ الحياة . ومن حسن حظّنا أننا نقرأ هذا الكلام وقد ابتعدنا كثيرا عن عصور المعجزات .وأصبحنا أكثر إتقانا فىتفتيت أحداث التركيبات المعقّدة لنحصل على تفسيرات أكثر إرضاءا للعقول المنطقية ، ودخلنا عصر البيولوجيا الجزيئية ، ومددنا ابصارنا وأيدينا إلى شظيات الحياة ال”ر.ن.ا”وال”د.ن.ا”. وصرنا نفكّرفى بشر افضل ، الحلم الذى الذى سبق أن راود افلاطون ولكن فى صيغة حديثة.. اليوجينيا..والتى نشأت على يدى فرنسيس جالتون ،ابن خالة تشارلس داروين . وكان هو أيضاعالما مَبّرزا اعتقد أنه من الجائزأن نتمكن من تحسين الإنسان ونجعله ,, نبيل المحتد’’ أو’’ طيب الأرومة،، وهو المعنى الإغريقى لكلمة ..اليوجينيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق