14 ــ 9 ــ 1993

14 ــ 9 ــ 1993 - منتديات غزل وحنين



ــ 9ــ1993
14
مساء.. جلست علي قارعة الطريق , وحولي سكون خريفي ,الطرق أشبه بشرايين لا يجري بها دماء ,و نسمات الخريف تغازل وجهي بنعومة لمساتها, و يتهادي إلي أذناي خشيش الشجر , انتظر نسرين في ترقب كأني شاعر يجول بعقله بحثا عن كلمة يكمل بها قصيدته , فهي كانت ستغادر المدينة في صبيحة اليوم التالي , كي تتم دراستها في بلد عربي , وكان موعدنا هذا بعد انقطاع لم نكسر له يدا طالت ,حتي بعدت بيننا الأيام حلاوة اللقاء. ثم من بعد برهة ,تراءت لي من بعيد وقعات أقدامها , تهللت أساريري كطفل ينتظر حضن أمه ,و قد استراح علي صدرها, تلقتني بوجهها المستدير البض ..النضر ,فكان وجهها ذاته هو ابتسامة الحياة, وقد تقدمتها في خطوات,و سبقتها إلي طريق جانبي و في حركة عفوية,ألتفت إليها ,كأني غواص , عثر علي لؤلؤته من بعد الضني ,رأيت علي محياها وقد رسمت ملامح وجهها كأنه وردة مشرقة ,تفوح منها عبير الحب والشوق, مسكت يديها التي احتضنت يدي في شوق الأرض لماء السماء ,كي يروي صداها, وبعد تأمل عميق في بعضنا البعض, خطونا في الطريق ببطأ ,و كانت هناك لفاف في يدي اليسري ,أخذتنا في تجاذبنا بعض أحاديث عن وحشة البعاد ,و تناسينا ونحن في جنة الملتقي أي عتاب ,فقد كنا في لقاء وداع مؤقت , ستتلاقي فيه القلوب بعد فراغه,كان الأجواء حولنا ,يشير إلي أنه لم يكن في الطرقات إنس ولا جان غير لقاء بين حبيب وحبيبة وهواهما السارح , فقد كان الكل يتجهز لغد دراسي جديد , و هي ستسافر في الغد الباكر ,فقد كان لقاؤنا تتويجا لمحبة ,لم أعرفها قط لا قبلها ولا بعدها,و هو مع من أخذت بلب قلبي ولم تفارقه حتي بعد كل هذه السنوات, ,فقد عرفت الحب مع قلبها الذي سافرت بين حنايا بستانه امتص من كل ألوان زهوره شوق ,الحب ,الدفيء, الحنان ,الغيرة ,اللوعة , الدلال , الهجر , كل لون من ألوان زهور المحبة التي يتزين بها كل حب بين أي عاشقين , فما أطرب كلمة تسمعها ,حينما ,تقول لك :" ــــ نعم قد نسيت شيئا .
ـــ فأقول و أرد متسائلا في لهفة المنتظر لجائزة :" ما هو ؟ ــ تقول في سكون وبطأ : بحبك . كانت هذه الكلمة كفيلة بأن تشعرك كأنك ملكت العالم , ولا تريد منه غير كائن ,يسكن إليك, يركن بجانبك , و هو الحبيبة .سبحنا في فضاءات الحب وبعذب الكلام وحنو العاطفة ودفء الشعور وجيشان الإحساس, مر الوقت و قد أزف شيء ما علي الرحيل, فقد أوشك أن ينتهي اللقاء سريعا ,فقد توقفت عجلة الزمن ,كأنه لم يمر أو لم تعد تدور عقاربه , كان كالبرهة ,اللمحة الخاطفة , توقفت أودعها .. وتوادعني ,أمسكت من نظراتها شجن و شجي يكاد ,يفصح عن حال صاحبته , فقد آن الفراق , ولو كان بالأيادينا , لمحونا كلمة من اللغة اسمها الفراق , فسنة ,هي في عرف المحبين , هي الحزن والافتقاد , هربت دمعة من إسار عينيها تتدحرج علي وجهها ,كأنها ضاقت بالفراق, فمسحت برفق دمعتها الثائرة علي موقف الفراق,أسكنت لوعتها بكلمات تبرد سخونة دمعها ,لتلهب نيرانها دموعي التي تكاد أن تنفطر من صفحة عيني , وكادت عيناي أن تحاكيها في نفس الدمعة , وألتمعت عيني بها ,لكني ,حاولت اختزالها و هي أمامي تقف متسمرة ,لا تكاد قدماها مغادرة اللقاء , كأنها قد دقت في الأرض , ولكن قد حان فراق الحب لحبيبته , تذكرت ما بيدي اليسري , وقد قدمته إليها , فكانت وردة حمراء ,و رسالة حب ,و شريط كاسيت للعندليب , سعدت كما فرحت ,فسعادتها بأن تنال تقديرا من حبيبها , و تذكارا ,يرمز دوما في غيبته , إليه كلما هاجت الذكري للأيام الخوالي و ماضي جميل , وفرحتي أن أنثر عبير محبتي في نفسها , تلهفت إلي هداياي , وهي بعد مازلت لم يغادر ناظريها تعلقه بأهداب وجهي , و هي تبتسم ,وتقول شكرا بلهجة غير مسموعة, ومتهدجة فقد حتق صوتها دمعوها المكبوتة ,فمازلنا مبهورين بالنظر إلي بعضنا بعضا , كأننا نظراتنا زخات من أمطار الشتاء , ونحن علي مشارف صيف من الفراق الطويل ولكنه ليس بالأبدي , نستعوضه بتلك الزخات من المطر, أعلنت أنها يجب أن تغادر اللقاء , كان بي شعوران ,شعور بسعادة غامرة كأني في بحر من العسل أسبح فيه , وأحساس باللوعة ومرجل من حرقة الفراق الذي جعلني أتألم من شوائه لنفسي, فما كادت تبتعد , حتي تتلفت في حركات متوالية نحوي كأنها تضن علي نفسها التفريط في هذا اللقاء و لو كان بالقدرة كنا عطلنا الزمان عن التحرك والحياة عن المسير و ظللنا في لقاء أبدي , ولكن بدأت تبتعد ,و يتصاغر جسدها , وهي مازلت تتلفت إلي ,وأنا أنظر إليها في لوعة المشتاق لا يدري ما في الأيام من أمر, وقد بدأت تخرج دمعتي التي احتبستها طويلا ,ولكنها كانت دموعا ولا دمعة , كأنها نهرا في أوان الفضيان ,غيمت صورتها في عينيي , من تباعدها ومن نهر الدموع الجاري علي وجنتي, تلاشت تماما و لم يبق غير أريج عطرها يملأ المكان حوله , هذا ما تبقي .
و تمر الأيام .. ثم سنة , تتلوها أخري في عقب أخري , ولم تعد,كما كان موعودا , فقد كان كل ما سكن عنه النسيان هو أخر شيء في لقائها , هو رائحة عطرها, و ذكري جميلة ,و أيام خوالي . رغم هذه النهاية إلا أن الحب مازال باقيا , برغم التجارب ,إلا أنه هو الحب الحقيقي الذي بقي, وسيبقي كذكري لا تعوضها تجربة أو غرام .
ما بقي في القلب علائق ذكري هي كالنبت الذي جذوره راسخة في تربة القلب ,لم تجتث من وديانه , برغم الأعوام ومجهول الفراق . سيبقي ذكري ودمعة وشجن في يوم خريفي ,جفت فيه أوراق الحب وسقطت , لكن بقيت شجرة الحب ,ولكن بلا طرح ولا ثمرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق