الخطابات الرئاسية: مغازلة الجماهير واستحضار الثورة - منتديات غزل وحنين

الخطابات الرئاسية: مغازلة الجماهير واستحضار الثورة - منتديات غزل وحنين


الخطابات الرئاسية: مغازلة الجماهير واستحضار الثورة

























الخطابات الرئاسية: مغازلة الجماهير واستحضار الثوره







لا يمكن قراءة الخطاب الرئاسي بمعزل عن سياقه السياسي، والرسائل المحملة
ضمنه، والجمهور الذي توجه له، ومفرداته الرئيسة ودلالتها. حتى وإن كان
الخطاب قد اكتفى بملامسة عواطف الناس، أو سعى لمخاطبة عقولهم.



وثمة رابط بين تزامن خطابات كل من الرؤساء: عبد الفتاح السيسي "الجديد"،
وعدلي منصور "المؤقت"، ومحمد مرسي "المعزول". فالأول يدشن رسمياً حكمه،
وخروجه من وراء الستار إلى الواجهة. والثاني يعلن انتهاء دوره، بعد ما
اعتبره نجاحاً في الحفاظ على الدولة من الإنهيار، وتسليم السلطة لمن يثق
في كونه قائداً عظيماً وأباً رحيماً لشعبه. فيما يؤكد الخطاب الثالث بشكل
غير مباشر، أنه مازال الرئيس صاحب الشرعية، ويُحرّض على استمرار الاحتجاجات
التي قد تضمن عودته، أو على الأقل إطلاق سراحه.
وإن
جاء خطاب عبد الفتاح السيسي مختصراً، فربما لأنه تحدث كثيراً خلال الفترة
السابقة، عبر العديد من البرامج التليفزيونية. أو أنه ينتظر مناسبة لاحقة
للحديث بإسهاب، أو أنه تفادى إلزام نفسه بتعهدات، يُحاسبه الشعب عليها،
كما فعل مع سلفه. في حين كان خطاب عدلي منصور مطولاً بصورة مبالغ فيها؛
كما لو أنه يريد تقديم كشف حساب، وإبراز دوره وإنجازاته، لنفي ما يثار حول
وجوده الشكلي، واتهامه بأنه "طرطور" ومجرد واجهة للجنرال. ولينسجم خطابه
مع دعوات لتكريمه، التي أطلقتها دوائر مقربة من السيسي، باعتباره صاحب دور
وطني، وقاد البلاد في ظروف صعبة.
ويبدو
خطاب محمد مرسي في هذا الوقت، تشكيكاً في الشرعية الدستورية الجديدة التي
نالها قائد الجيش السابق، ويبرز من جديد صراع الشرعية والسلطة، ويُحرّض
على استمرار الاحتجاجات، لعرقلة استتباب الأمر لوزير دفاعه السابق، وأيضا
ليبرر الاتهامات له بالفشل أو الخيانة العظمى، باعتباره بذل أقصى ما
يستطيع، وأصاب وأخطأ، لكنه لم يخن الأمانة.
وتتشارك
الخطابات الثلاثة، في اللعب على الأوتار العاطفية؛ بتملق الجماهير
وامتداحها وتفخيم دورها، وابتزازها عاطفياً، ومخاطبتها على عكس الواقع،
باعتبارها صاحبة القرار والإرادة. واستخدام عبارات مثل "شعب مصر العظيم"
أو "الشعب الثائر الآبي"، أو من قبيل إبهار العالم، الفخر بكم. مع الإكثار
من الجمل الإنشائية الفضفاضة. والإتكاء على المرجعية الدينية؛ باستشهادات
قرآنية، أو إبراز التوكل على الله، في سبيل التأثير في الجمهور،
والغالبية من البسطاء قليلة الثقافة والوعي، والتي تفضل هذا التوجه.
كما
يتجاهل الثلاثة، حقيقة الإنقسام المجتمعي، وطبيعة الصراع المحتدم على
السلطة؛ بين الجنرال القادم من عهد مبارك، السيسي ومؤيديه، وجماعة الإخوان
وأنصارهم، ووجود طرف ثالث يرفض الطرفين، وكتلة لا يعنيها الأمر برمته،
ويتحدث كل منهم إلى الشعب باعتباره منحازاً له في غالبيته الساحقة.
ومن
الملاحظ، أن مفردات خطاب السيسي تمحورت حول الوطن، وأهداف انتفاضة كانون
الثاني/ يناير 2011، والإنجاز الديمقراطي، والمستقبل دون سياق واضح، وإنما
كشعارات مجانية. وحين تطرق للعمل والاستقرار، ربط بينهما بشكل متعسف.
فيما لم يلزم نفسه بشئ، وطالب الجماهير بالعمل والتضحية والاستمرار في بذل
الجهد. من دون تقديم برنامج محدد للتنمية يكون مسؤولاً عنه، ومن دون خطط
معلنة لاستيعاب البطالة. وتجاهل أن الاستقرار رهن بحل الأزمة السياسية
الراهنة، والتي يعد جزءاً أصيلاً فيها. وتغافل عن كون العدالة الانتقالية
تعاقب كل المتورطين في جرائم جنائية ومالية وسياسية، وتعوض المتضررين. وذلك
في مناخ ديمقراطي حقيقي، لا يصادر الحريات، والمجال العام، مع كفالة
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية العادلة للجميع.
وخص
السيسي بالشكر والامتنان، من دعم وصوله للسلطة، كالجيش والشرطة والقضاء
والإعلام ومنافسه الانتخابي حمدين صباحي. وذلك ينسجم مع الدور البارز الذي
لعبوه في شرعنة استيلائه على الحكم.
ومن
اللافت في خطاب منصور، هو الإفراط في استخدام مفردة الوطن بصيغها
المختلفة، فضلا عن الاستطراد في الإشارات التاريخية ووضعية مصر ومكانتها،
بصورة ساذجة، ومزايدة لا ضرورة له. والتركيز على دوره وما قدمه، يتنافى مع
كونه "عبد المأمور": يتلقى الأوامر فينفذها، وكان وجوده فقط لملء الفراغ
الرئاسي، حتى ترتيب الأوضاع للجنرال، وأيضا لتمرير كم هائل من القوانين
سيئة السمعة؛ لخدمة مصالح السلطة الجديدة، وحماية الفساد والاستبداد
مجدداً، وقمع المعارضة، وتقييد حريتها. حتى لو جاء هذا على حساب انتهاك
الدستور، وهو الأمر الذي يجعله عرضة للنقد القاسي، والحساب السياسي،
والمحاكمة التاريخية في المستقبل.. إن لم يكن ثمة سبيل للمحاكمة القانونية،
على ما اقترفه من خطايا في حق الوطن والمواطن الذي يتحدث باسمهما، والعمل
لصالحهما، وليس لخدمة الجنرالات ومصالحهم.
ومثلما
ذهب السيسي في امتداح دور الجيش والشرطة، سار منصور على هذا النهج، بل
زاد عليه، باعتبارهما قاما بالحيلولة دون سقوط أقدم دولة مركزية في
التاريخ. وحقيقة الأمر أنهما ساهما بقوة في منع سقوط النظام القديم.
أما
خطاب مرسي، فتمحور حول "الثورة"، التي ذكرها أكثر من 15 مرة. وكان في
خطابه السابق، قد ألح على "الشرعية"، وهو أمر يدل على السعي بإلحاح
للإقناع بشئ مشكوك في وجوده. وإذا كان مرسي قد لجأ إلى صيغة مراوغة بتوقيع
خطابه بصفته رئيساً للجمهورية، إلا أنه لم يتحدث عن شرعيته بشكل صريح،
وربما في محاولة لجذب قطاعات جديدة من الشباب لمعسكر الإخوان في مواجهة
الجنرال. وهم من الذين يرفضون أيضاً عودة مرسي للحكم.
وفي
مضمون خطاب مرسي، يبدو بأن المطلوب هو حراك الجميع لإسقاط النظام القائم
من أجل عودة شرعيته، وليس من أجل ثورة تهدم النظام، وتعيد بناء نظام جديد
بآليات جديدة. كما أن حديثه حول استمرار الثورة لم يعد مقنعاً، لأنه
وجماعته طالما تحدثوا عن انتهاء الحالة الثورية والانتقال للشرعية
الدستورية. وذلك منذ انتخاب البرلمان، ووصول مرسي للحكم. بالإضافة إلى أن
أدبيات جماعة الإخوان لا تعترف بالثورة، وإنما الإصلاح. وهو ما ينسجم مع
حديثه الملتبس عن "ثورة سلمية". في حين أن الثورة هي تغيير بالعنف، وبشكل
جذري. وكل ذلك لا ينفي تواطؤ الجماعة مع جنرالات مبارك والأميركان، في وأد
"ثورة يناير" في مهدها، طمعاً في السلطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق