موسم الهجرة إلى الصومال
موسم الهجرة إلى الصومال
ولكن، كيف يعود مئتان وثمانية وثلاثون ألف طريد صومالي إلى مسقط أحزانهم
دون أن يحملوا أوراقا ثبوتية تقودهم إلى السجون؟ وكيف تتحمل ميزانية
الصومال المتخمة بالفاقة والشقاق نفقات الحدود المتورمة، وهي لا تستطيع
تحمل مصاريف الداخل الآيل للصراع؟ وكيف تميز سلطات الحدود وجوه الفارين من
البؤس من وجوه الفارين إليه؟ وكيف يمنح القادمون من مدن الملح أوراقا
ثبوتية في وطن ينكر أبناءه ويطاردهم حتى أسلاكه الشائكة؟
وكيف يضمن الواقفون على الحدود ليلة نوم هادئة، وقد ألقت بهم أخشاب الوطن
المتهالكة على مرافئ صراع وجودي بين شقيقين ينكر كلاهما أواصر الدماء؟ ففي
الصومال ولايتان عن شمال وجنوب، وكلاهما يجيد القنص والضرب تحت حزام وطن
آيل للسقوط، وكلاهما يرفض التفاوض والتعايش والأمن؟
لا ينكر الصوماليون فضل أبناء عمومتهم في الشمال، لكنهم لا يجدون فضل متاع
أو زاد أو راحلة ليحملوا الكل والعاني من أهل اليمن. هم يعرفون لليمنيين
فضلهم ولا ينكرون أياديهم البيضاء عند كل نازلة، لكنهم يقفون اليوم أمام
المرافئ عاجزين عن حمل إخوة البؤس إلى منازلهم، لأنهم ببساطة لا يجدون ما
ينفقون.
"ما زالت الطائرات تحلق فوق المنازل المهدمة،" هذا ما يؤكده الفارون من
ألسنة اللهب، رغم تصريحات سعودية بتوقف غارات الحزم. وشيئا فشيئا تمتد
العاصفة من اليمن التعيس الفقير إلى الصومال وجيبوتي الأكثر تعاسة والأشد
فقرا. وعند الحدود تتلاقى الوجوه المكفهرة، الهاربة من الموت على الجانبين
لتتعارف وتتقاسم الخوف والبؤس. أما عمال المنظمات الإغاثية العاملة في
اليمن، فقد زاحموا أطفال الفجيعة عند كل المرافئ طلبا للنجاة من "القصف
الرحيم".
قد يعود عبد ربه منصور هادي إلى قصره الجمهوري ليمارس صلاحياته المعطلة
منذ شهور، وقد لا يعود. وربما يقلع الحوثيون عن غيهم، فيتوقفوا عن اللعب
فوق ألسنة الخرائط، وربما لا يقلعون. لكن المؤكد أن الفارين من أنقاض
الوطن إلى خيام الإيواء سيظلون يلعنون كل من حمل سلاحا وقاتل، وكل من سدد
سهما وقتل، وكل من حرض وكل من عصف. ربما يتوقف القادمون من أطراف الخرائط
عن ملاحقة مصالحهم فوق تربة اليمن غير الخصبة يوما، لكن اليقيني أن اليمن
لن يعود سعيدا، وأن اليمنيين لن يقفوا بعد اليوم تحت راية واحدة ليرددوا
النشيد نفسه.
موسم الهجرة إلى الصومال
موسم الهجرة إلى الصومال
فوق
مرافئ عدن الباردة، يتدفق المهاجرون نحو القرن الإفريقي بحثا عن أي قطعة
خشب تحمل أجسادهم المنهكة نحو أي مثوى. فقد اكتشف اليمنيون فجأة أن بلادهم
قد ضاقت بأنفاسهم وأن المضيق الذي اتسع لسفن العالم ذات يوم، يضيق بقواربهم
الخشبية المتهالكة، وبصرخات أطفالهم ونسائهم وفقرهم وبؤسهم وأحلامهم
التافهة. اليوم، يحمل اليمنيون أطفالهم فوق أقفيتهم المعروقة ليمارسوا طقوس
النكسة في زمن الخيبات. واليوم، يصطف الفارون من كرات اللهب فوق بربرة في
أرض الصومال بحثا عن خيمة ولقمة ونجاة. الغريب أن بلاد اليمن التي كانت حتى
قريب مأوى للفارين من العنف الصومالي، تفتح صنابير الهجرة نحو السواد في
مفارقة تدعو إلى الدهشة وزم الحواجب. لكن هل تستطيع خيام صومالي لاند أن
تستوعب مئة ألف نورس يمني في طريقهم نحو الهرب من حمم الطائرات
الكرامازوفية الشبح؟
مرافئ عدن الباردة، يتدفق المهاجرون نحو القرن الإفريقي بحثا عن أي قطعة
خشب تحمل أجسادهم المنهكة نحو أي مثوى. فقد اكتشف اليمنيون فجأة أن بلادهم
قد ضاقت بأنفاسهم وأن المضيق الذي اتسع لسفن العالم ذات يوم، يضيق بقواربهم
الخشبية المتهالكة، وبصرخات أطفالهم ونسائهم وفقرهم وبؤسهم وأحلامهم
التافهة. اليوم، يحمل اليمنيون أطفالهم فوق أقفيتهم المعروقة ليمارسوا طقوس
النكسة في زمن الخيبات. واليوم، يصطف الفارون من كرات اللهب فوق بربرة في
أرض الصومال بحثا عن خيمة ولقمة ونجاة. الغريب أن بلاد اليمن التي كانت حتى
قريب مأوى للفارين من العنف الصومالي، تفتح صنابير الهجرة نحو السواد في
مفارقة تدعو إلى الدهشة وزم الحواجب. لكن هل تستطيع خيام صومالي لاند أن
تستوعب مئة ألف نورس يمني في طريقهم نحو الهرب من حمم الطائرات
الكرامازوفية الشبح؟
ولكن، كيف يعود مئتان وثمانية وثلاثون ألف طريد صومالي إلى مسقط أحزانهم
دون أن يحملوا أوراقا ثبوتية تقودهم إلى السجون؟ وكيف تتحمل ميزانية
الصومال المتخمة بالفاقة والشقاق نفقات الحدود المتورمة، وهي لا تستطيع
تحمل مصاريف الداخل الآيل للصراع؟ وكيف تميز سلطات الحدود وجوه الفارين من
البؤس من وجوه الفارين إليه؟ وكيف يمنح القادمون من مدن الملح أوراقا
ثبوتية في وطن ينكر أبناءه ويطاردهم حتى أسلاكه الشائكة؟
وكيف يضمن الواقفون على الحدود ليلة نوم هادئة، وقد ألقت بهم أخشاب الوطن
المتهالكة على مرافئ صراع وجودي بين شقيقين ينكر كلاهما أواصر الدماء؟ ففي
الصومال ولايتان عن شمال وجنوب، وكلاهما يجيد القنص والضرب تحت حزام وطن
آيل للسقوط، وكلاهما يرفض التفاوض والتعايش والأمن؟
لا ينكر الصوماليون فضل أبناء عمومتهم في الشمال، لكنهم لا يجدون فضل متاع
أو زاد أو راحلة ليحملوا الكل والعاني من أهل اليمن. هم يعرفون لليمنيين
فضلهم ولا ينكرون أياديهم البيضاء عند كل نازلة، لكنهم يقفون اليوم أمام
المرافئ عاجزين عن حمل إخوة البؤس إلى منازلهم، لأنهم ببساطة لا يجدون ما
ينفقون.
"ما زالت الطائرات تحلق فوق المنازل المهدمة،" هذا ما يؤكده الفارون من
ألسنة اللهب، رغم تصريحات سعودية بتوقف غارات الحزم. وشيئا فشيئا تمتد
العاصفة من اليمن التعيس الفقير إلى الصومال وجيبوتي الأكثر تعاسة والأشد
فقرا. وعند الحدود تتلاقى الوجوه المكفهرة، الهاربة من الموت على الجانبين
لتتعارف وتتقاسم الخوف والبؤس. أما عمال المنظمات الإغاثية العاملة في
اليمن، فقد زاحموا أطفال الفجيعة عند كل المرافئ طلبا للنجاة من "القصف
الرحيم".
قد يعود عبد ربه منصور هادي إلى قصره الجمهوري ليمارس صلاحياته المعطلة
منذ شهور، وقد لا يعود. وربما يقلع الحوثيون عن غيهم، فيتوقفوا عن اللعب
فوق ألسنة الخرائط، وربما لا يقلعون. لكن المؤكد أن الفارين من أنقاض
الوطن إلى خيام الإيواء سيظلون يلعنون كل من حمل سلاحا وقاتل، وكل من سدد
سهما وقتل، وكل من حرض وكل من عصف. ربما يتوقف القادمون من أطراف الخرائط
عن ملاحقة مصالحهم فوق تربة اليمن غير الخصبة يوما، لكن اليقيني أن اليمن
لن يعود سعيدا، وأن اليمنيين لن يقفوا بعد اليوم تحت راية واحدة ليرددوا
النشيد نفسه.
عبد الرازق أحمد الشاعر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق