فردوس بلا دماء بقلم عبد الرازق أحمد الشاعر - منتديات غزل وحنين

فردوس بلا دماء بقلم عبد الرازق أحمد الشاعر - منتديات غزل وحنين

 

فردوس بلا دماء بقلم عبد الرازق أحمد الشاعر



























في
نيجيريا، عليك أن تحمل خرقة بيضاء في طيات ثيابك كلما رحت أو غدوت،
فالموت يتربص بالسائرين فوق تربتها الملتهبة لاسيما عند حدود التماس.
والرب في عرف الباحثين عن الفردوس الموعود هناك يسخط دائما ويغضب أبدا،
ولا يهدأ إلا حين يسكب تحت قدميه المقدستين نخب الدماء في جماجم هشة.
والضعفاء في نيجيريا يحبون الحياة كما يحبها المُخلِّصون المخلِصون، لكنهم
يُكرهون علي التبرع بأعمارهم قسرا عند أول سوق يعج بالباعة الجائلين.



الموت في نيجيريا قدر حاولت أن تتمرد عليه فتاة كانو التي رفضت التنازل عن
ربيعها الثالث عشر من أجل جنة بربوة لم تكد تراها. ورغم إصرار أبيها أن
الجنة تحت كعوب البنادق، أبت الفتاة أن تلف حزام الموت حول خصرها لأنها لم
تكن تري الله في آخر نفق العنف هناك. كانت الصغيرة تعشق إلها آخر يأمر
بالمعروف وينهي عن العنف، ويخرج الحي من الميت وينزل الغيث من السماء فينبت
كلأ يأكل منه الطير والدواب والبشر من كل ملة وجنس ولون.



كانت فتاة كانو تحب الجنة كما يحبها أبوها، لكنها كانت تحب الحياة أيضا.
لهذا، رفضت أن توزع هدايا بوكو حرام الحرام علي محبي الحياة في سوق مكتظة.
'حين طلبوا مني أن أقتل نفسي لأدخل الجنة، وأن أفجر قنبلة وأرحل، قلت أنني
لا أستطيع.' هكذا خاطبت الفتاة ببراءة مدهشة عيون الكاميرا التي تلصصت
علي جرح ساقها وشفتيها المتيبستين.



رفضت فتاة كانو أن تلبس حزام الموت وتخلع إنسانيتها. وفي سيارة الأجرة
التي حملتها إلي المشفي، وضعت حزامها المفخخ فوق المقعد، ثم أخبرت سائق
السيارة في هدوء غير مفتعل أن سيارته الصغيرة تحمل عبئا كبيرا، ثم تركته
وانصرفت. وبعد لحظات، كانت الشرطة تحيط بالمشفي، وكانت الفتاة تنظر في
وجوه القوم وهي لا تكاد تصدق أنها علي قيد الألم.



لم تلحق فتاة كانو برفيقتيها اللتين ذهبتا بحزامين ناسفين فجر العاشر من
ديسمبر ولم تعودا بشيء. ولم توزع قربان الجنة الموعودة شظايا بشرية فوق
الطرق وسلال المارة. لم تقتل ابنة الثالثة عشر ربيعا أربعا وتصيب سبعا كما
فعلت صاحبتاها، لكنها تثق في أعماقها أنها ستسبقهم إلي الجنة دون أن تضطر
إلي التخاذل عن طفولتها بصكوك غفران يمهرها شيوخ بوكو حرام.



ذات صباح، هاجم موزعو الصكوك أطفالا في مثل عمرها، وسبوا مئتين وست وسبعين
طفلة لا تزال أغلبهن في عداد المفقودات حتي اللحظة. ولا تدري فتاة كانو
إن كانت الفتيات قد سبقنها إلي الجنة، لكنها تعلم أن الله الذي خلق الأنفس
لم يوكل أحدا من خلقه بإزهاقها، وأن طريق الجنة محفوف بالمكاره لكنه ليس
ملوثا بالدماء، وأن دماء البشر دنس لا يجوز استرضاء الرحيم بإهراقها فوق
أعتابه المقدسة.



تشعر فتاة كانو في أعماقها بحزن طفلة لأنها لم تستطع أن تضع جبينها فوق تل
الهرج لتمنح أباها مدية غير مقدسة ليذبحها من الوريد إلي الوريد، لكنها
تعلم علم اليقين أن كبش الفداء لم يكن لينزل من السماء ليفتديها إن هي
فعلت، لأن ما رآه أبوها في منامه لم يكن وحيا، وإنما أضغاث أحلام فرضها
واقع نيجيري كئيب علي شطري بلاد تمارس حربا غير مقدسة وغير عادلة ضد إله لم
يأمر إلا بالرحمة والعدالة والحب.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق