في تمام الساعة العاشرة من صباح الجمعه تواعدنا انا وفنجان قهوتي المحلى بالمرار سرا على لقاء نبث فيه تعب الاسبوع وننسى معه زلات الحياة ...فتناولنا كتابا لطاغور ليزداد لقاءنا حضارة ... فأخدنا نطرح الأفكار أرضا ونحلق بالخيال جوا ونعوم بالمشاعر بحرا.على طاولة تحمل كل يوم زي جديد رغم ثباتها في حديقة البيت سنوات طويلة ....
أخد فنجان القهوة يتغزل في تلك الايدي الناعمة التي تلامسه كل صباح ومساء مكابرا ...لكن الكتاب طأطأ راسه وتنهد الما ووجعا على حاله في الوطن العربي حيث انه يستوطن المكتبات فقط فيعتريه الغبار ... وكله اشتياق إلى أن يزور مطابخنا... سياراتنا.... غرف نومنا....او حتى حقائبنا ..... وهنا أشار بأنه ينتظر يومان إما استقلالا يعيد له عزته وكرامته أو قيامة تنشر فيها الكتب يمينا أو شمالا...
وفي خضم الحديث .. دق جرس الهاتف عنوة ليقطع حوار ثوري قكري ... فهكذا اصبحت حياة الاتصال هذه ...اتصال دائم بكل ما حولنا إلا اتصالنا بأنفسنا فإنه خارج الخدمة ...
بكاؤها اثار استعجابي ... وكانه تنحى منصبا بدل الرد التلفوني الشهير بألو ... فأجبتها مسرعة : ما بالك يا صديقتي ... ما الذي حدث ؟ وأحسست بان الهاتف أحيانا كثيرة يتولى مهام قناة الجريرة في بثه الأخبار التي يدون تحتها "بدون تعليق" ... أجابت صديقتي باستياء شديد بانها مخنوقة لانه "يكنسل" مكالماتها منذ أيام ... (فانتم مدركون تماما أن لغتنا العربية باتت مزيج من الثقافات المختلفة ...
" أجبتها : ولماذا انت out of control? " لا تبالي يا عزيزتي ما دام الحب قائما فلن يكون حبكما كالخطان المتوازيان .... سيعود وفي دمه اشتياقا ملونا ... وفي عيونه لهفة مبتهجة ... لكن دموعها ما زالت تبلل هاتفي ... دعوتها لمشاركتي جلستي السرية للغاية فلبت الدعوة خلال ساعة أو اقل مرتدية ثوب اسود قديم ... عيونها محمرة كدجاجة حال انتهاء شوائها .... تحمل هاتفها النقال في يد والاب توب في الاخرى .. وكأنها أحضرت معها حبيبها للزيارة ....
جلست وكل ما بها يشكي , يبكي , يلعن ..يضجر وانا أتبعها بكل برود ... القت الهاتف على طاولة المؤتمر وكانه ارتكب جريمة ... وأعطت لنفسها إشارة اوف لاين على جميع الشبكات والمواقع وكأنها تلقي القبض على نفسها ... نظر إليها الكتاب ساخرا وهمس في أذني :" ماذا تراها فاعلة لو تجاهلتها امة كاملة كحالي بين العرب اليوم ... ففضلوا التهام البيتسا والهمبورغر على اقتنائي .. حتى أحذيتهم اشتروها بالدولار من شركات بوما وتومي وووو.... فباتت احذية الناس أغلى من تفكيرهم .... قولي لها يا عزيزتي "اللي بيشوف مصيبة غيره بتهون عليه مصيبته" ....
أما فنجان القهوة فتنحنح مرنما في أذني أغنية فيروزية قديمة مدغدغا بذلك مشاعري " زعلي طول انا واياك ...جرب فيهن أنا انساك وما قدرت نسيت ... يا ريتك مش رايح وياريت تبقى عطول" ... غمزت فنجان قهوتي ليصمت قليلا علها تروق لنغني بعد انتهاء حالة اليأس هذه سوية يا ما أحلى ليالي الهوا ....
شعرت صديقتي بأمر خفي يشغلني عنها على طاولة الفيضان الاسبوعي .. لكن مددت يدي لانسيها شعورها الاني في مسح قطرات الندى الرقيقة التي تتساقط شهيدة الحب واللوعة ... واقتربت منها هامسه في اذنها : أنا سعيدة بحبك له ... ربما أخطأت في حقه ... وربما أخطأ في حقك ... لكن دموعك هذه ما هي الا أفراح في ساحات الحب ... سيعود يا عزيزتي ... لا تخافي ... فقاطعتني قائلة : لكني لا انام ولا يهدأ لي بال .. ااشعر بشلل عاطفي فكري ..." أجبتها بكل برود وخبرة : " ثمه قلق أجمل من قلق عاشق صادق أما شللك فعلاجة في إستعادة حبيبك لدورتك الدموية ....
حالة من الصمت أعترت المكان ... إلى اان افقنا على صوت رسالة الكترونية تصلها ... قفزت من مكانها لترى ممن كانت تلك الرسالة ... وبلا لغة تنطق بها فهمت بان باعث الرسالة ما هو الا ذلك الحبيب الغائب الهاجر القريب البعيد... وبدات تتعثر في الحروف الحديثة لتصنع من النقاط تعبيرا .. ومن الوجوه والقلوب والورود الالكترونية تفسيرا وتبريرا لروح حياتها ... وما هي إلا ثوان حتى قفز قلبها معها إلى inbox لتجده يصالحها بعبارة " صافي يا لبن ... حليب يا قشطة" ...
لملمت أغراضها متناسية وجودي .... وحلقت مع فراشات الحديقة ... وبالباي انهت اللقاء مشيرة إلى انا سنكون على اتصال خلال الاسبوع ....
نظرت إليها نظرة كلها شفقة واحترام ... لتتمتم كلماتي عني فتقول: سبحان مغير الاحوال ... هذه هي صديقتك التي شفيت من شللها خلال دقائق خمس بتوقيت غرينتش ... والتي لم تعد بحاجة إلى النوم ... قد يحدث وتنام بعيون مفتوحة في بحر النت كالسمك في بحر دري... " ومن ثم أرسلت رشفة لفنجان قهوتي معلنه له بان أجمل ما فيه مراره تماما كالحب... ولم انس معانقة كتابي العزيز لاعزز من قيمته عند الغالبية من عرب اليوم الذين لن يتخلوا عنه ولو بمال قارون ....
أما انا فاسترخيت وعقلي جانبا.... لاحرر كلماتي مني وارسمها في سماء العطلة الاسبوعية واعلقها على شجر الربيع قائلة : " عشق بلا جنون ..كالتفكير بلا ظنون ... وكليل بلا شجون ... وكنداء الرجال للنسوة بلا نون وإنا لله وإنا إليه راجعون "
رشا منصور ( 2010\4)
http://gzl7.net/vb/showthread.php?t=17083
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق