يضع الناس أوشاماً على أجسامهم لأسباب كثيرة ؛ ربما أرادوا مثلاً أن يتذكروا شخصاً عزيزاً رحل عنهم برسم شيئاً يخصه على أجسادهم ، أو ربما رسموا الوشم لمجرد حبهم لهذا الفن الغريب , أو لمواكبة الموضة وهو السبب الأكثر انتشاراً
لكن في حين أن الوشم لهو أمر شائع اليوم وفي هذا العصر ، إلا أنه لديه تاريخاً غريباً حقاً , وجذوراً ضاربة في عمق التاريخ ، وزاخراً تاريخه بالكثير من القصص العنيفة والشخصيات الفظيعة التي عشقت الألم ...
منذ متى بدأ فن الوشم ؟ - الوشم في العصور القديمة -
منذ عشرات الآلاف من السنين ، بدأ البشر في الرسم على جدران الكهوف ، ثم في مرحلة ما ، فكروا " لماذا لا نضع الرسوم عى أجسامنا ؟ " - عندها قد بدأ فن الوشم ، وعلى الرغم من عدم معرفتنا متى بدأ ذلك بالضبط إلا أن العلماء يواصلون العثور على ما يُشبه الأوشام على العديد من المومياوات القديمة في أماكن كثيرة من العالم .
فالمومياء الشهيرة لرجل الثلج الأوروبي " أوتزي " والذي توفي في حوالي 3250 قبل الميلاد ، قد حمل الرقم القياسي لأقدم وشم معروف ، فوفقا لموقع Smithsonian Insider ، امتلك أوتزي 61 وشماً كبيراً في جميع أنحاء جسده ، غير أنه من المرجح أن تكون تلك الأوشام مجرد خطوط اُستخدمت للعلاج على غرار العلاج بالإبر الصينية مثلاً ، حيث أظهرت الدراسات على مومياء أوتزي أنه كان لديه مشاكل في المفاصل والعمود الفقري .
في حين آخر - ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أن مومياوات مصرية تبلغ من العمر 5000 , حملت أيضاً وشم رمزي عبارة عن حيوانات ذات قرون .
كما أن الإغريق القدماء عرفوا الوشم ، كما فعل الصينيون القدماء أيضاً .
ولفترة طويلة من الزمن كان يُعتقد ان العجائز من النساء هنّ فقط من يضعنّ الوشم , ولكن على عكس ما كان يُعتقد , فإن أميرة سيبيريا التي تُوفيت منذ عام 2500 , كان لديها وشم رائع ، تم وصفه بإنه " استثنائي " - ويشبه الاوشام الحديثة بشكل مذهل .
الأوشام القبلية
كان الناس من خارج أوروبا والشرق الأوسط يقومون بالوشم منذ آلاف السنين , وكان الوشم القبلي جزءاً مهماً من المجتمعات من جزر بولينيزيا في المحيط الهاديء إلى أمريكا الشمالية ، ففي ساموا - وهي مجموعة من الجزر في جنوبي المحيط الهاديء - كان يتم وشم الرجال من منتصف بطونهم وحتى ركبهم ، وشملت عملية رسم الوشم جلسات تمتد لأيام بواسطة مطرقة ومشط حبر ثقّاب للجلد ، بالطبع كان من يضع الوشم يعاني ألماً مجنوناً ، وكان هناك خطر حقيقي يصل للوفاة بسبب العدوى أحياناً ، ولكن في تلك المجتمعات ، كان أي رجل يهرب من هذا التقليد أو حتى لا يتمكن من إكمال رسم الوشم الخاص به فإنه يتعرض للعار والسخرية لبقية حياته ، وقد حصلت النساء ايضاً على وشم ، ولكن أوشام النساء كانت تميل لتكون أصغر قليلاً من أوشام الرجال .
وفقاً لوقع Indians.org - فإن الأمريكيين الأصليين استخدموا عظاماً حادة او صخوراً لنحت التصميم المطلوب لصنع الوشم على الجلد ، وبعدها يتم فرك الجرح المفتوح بواسطة السُخام أو الصبغة ، مما يترك وصمة ، وقد حصل الرجال على وشم يمثل انتصار معين أو لأسباب روحية أيضاً .
اعتقدت بعض القبائل أن الوشم قد يمنحهم قوى خارقة للطبيعة ، كما حصل بعضهم على صوراً لحيوانات أرادوا أن يكونوا مثلها ، وفي بعض الأحيان حصلت النساء في تلك القبائل على أوشام مماثلة للرجال أيضاً .
وعندما انتشرت المسيحية في تلك البقاع أخذ فن الوشم في الاختفاء تدريجياً لإنه أُعتبر عملاً غير مستحب في الديانة المسيحية .
الوشم الإجباري كان دائماً وحشياً
- كما الوشم الطوعي كان موجوداً فإن الوشم القسري كان منتشراً أيضاً خاصة في اوقات الحروب والعبودية .
فإن الوشم قد أعُتبر وسيلة للعقاب الفعّال في معظم أوقات التاريج المسجل ؛ فإذا انتهكت القانون ، فوصمك بوشم ما سيجعلك مجرماً مدى الحياة ، ويجلب لك العار عليك وعلى عائلتك .
وفي أوقات الحروب ، تعرض جنود بعض الجيوش للوشم بالقوة حتى لا يتمكنوا من الفرار , ولكن هذه الممارسة كانت مثيرة للجدل إلى حد كبير ، وهذا لا يعني أن الأمر توقف ، حتى في القرن التاسع عشر الميلادي ، قام الجيش البريطاني بوشم الجنود الهاربين باستخدام حرف "D" أو "BC" اختصاراً لـ "bad character"
ووفقاً لموسوعة العبودية التاريخية العالمية ، تم وشم العبيد قسرياً حتى لا يتمكنوا من الهرب ، حتى أن الفرس القدامى والإغريق والرومان والصينيون واليابانيون جميعهم قاموا بوشم عبيدهم .
واستمرت ممارسة الوشم القسري بشكل مثير للصدمة حتى يومنا هذا ، ففي عام 1993 ، قامت الشرطة الهندية البنجانية بوشم جبين 4 نساء مذنبات ، مما تسبب في فضيحة ضخمة ، عوقب على آثارها رجال الشرطة بالسجن ، كما ذكرت شبكة CNN في عام 2017 أن هناك بعض النساء اللائي يتم الإتجار بهن قد تعرضن للوشم بهدف التعرف عليهن كمملتكات خاصة لمن اشتراهن .
المجرمين لطالما ارتبطوا بالأوشام
في الماضي ، كان يتم وشم المجرمين ضد إرادتهم ، ولكن هذه الأيام ، أصبحت العلاقة بين المجرمين والأوشام علاقة قوية بنفس القدر ، حتى لو لم يتم ذلك كعقوبة ، يميل الناس إلى التفكير في الوشم ، وخاصة المؤلم منه والأكثر وحشية ، كدليل على القوة والشر ، أو للإشارة إلى وقتهم في السجن ، او الجرائم التي ارتكبوها ، أو عصابة السجن التي ينتمون إليها ، كما أن النساء تفعل ذلك ايضاً كالرجال في كثير من الأحيان
ولكن هل للوشم والسلوك السيء علاقة فععلية ؟
أشارت دراسة أُجريت عام 2010 من جامعة تكساس التقنية بأنه كلما زاد عدد الأوشام لدى شخص ما ، زاد احتمال أن يكون منحرفاً ، ولكن وفقاً لدراسة أخرى ، فإن نظراً لوجود العديد من الأشخاص الذين يحبون وضع الوشم هذه الأيام ، فإن ارتباطهم بالسلوك المنحرف منخفض للغاية ، تميل إل 4% أو أكثر .
نزوات الوشم الغريبة في التاريخ
في عام 1800 تم تحديث فن الوشم قليلاً ، فأصبح أكثر شيوعاً ، حتى ان نساء المجتمع حصلن على الوشم ، وهذا كان يعني أنه إذا أردت أن تصبح بارزاً في المجتمع فعليك أن تحصل على الكثير من الوشوم ، ولأن هذا العصر شهد ذروة عروض السيرك ، كان يتم عرض الرجال والنساء ذوي الأوشام الغريبة ، وكانت السيدات الموشومات في تلك العروض هن من يتصدرن عناوين الصحف غالباً .
وفقاً لموقع Vice ، فإن أول سيدة وشم رسمية كانت نورا هيلدبراندت التي عملت لفترة قصيرة مع Barnum & Bailey قبل أن يتم استبدالها بشخص أكثر هوساً بالوشم .
كانت العلاقة بين الأوشام والجنس الانثوي متشابكة بشكل كبير ، حيث كانت السيدات الموشمات عادة ما يقمن بالتعري لإظهار كل رسمة الوشم ، حيث أمكن للمتفرجين شراء صور للسيدات الموشمات لأخذها إلى منازلهم كهدية تذكارية ، وعلى الرغم من وجود جانب استغلالي بالتأكيد في هذا الأمر ، إلا أن هذا العمل كان أحد الطرق القليلة التي تمكنت بها المرأة في ذلك الوقت من كسب مالها الخاص ، والحصول على نوع من الإستقلال .
للبحارة ثقافة الوشم الخاصة بهم
- في عقول معظم الناس , يرتبط البحارة برسم الوشم ، فتاريخ الوشم المرتبط بالبحر والبحارة يعود إلى القرن الخامس عشر على الأقل، ويُقال أن البحارة الغربيين أعجبتهم فكرة الوشم ، وانتشر بينهم هذا الفن بسبب طول الرحلات البحرية وطبيعتها المملة ، فبدلاً من جلوس البحارة دون أن يفعلوا شيئاً ، قاموا بالوشم على بعضهم البعض بغرض تمضية الوقت ، وكان الأمر مجرد هواية غالباً في بدايته ، بينما تم صنع حبر الوشم من البارود والبول .
قام بعد ذلك البحارة البريطانيون بتقليدهم ، وانتشر الأمر إلى أمريكا ، وبحلول أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ، كانت معظم سفنهم الحربية تتبع فن الوشم .
وخلال الحرب الأهلية ، حصل البحارة على الأوشام كاحتفال بالمعركة الأولى بين السفن الحديدية .
كما قام المشاركون في الحرب الإسبانية الأمريكية بتوقيع أوشام كتذكار على أجسادهم ، ولطالما كانت التصاميم الوطنية شائعة ، إلى جانب الشعارات العسكرية أو أسماء الأحباب وغيرهم بالإضافة إلى أوشام لنساء عاريات .
وبعض الأوشام البحرية كانت تحمل معاني أوتعاويذ معينة ، على سبيل المثال ، كانت المرساة تعني انك عبرت المحيط الأطلسي ، في حين أن رسم وشم لخنزير وديك على قدميك من المفترض أن تكون بمثابة تعويذة تحميك من غرق سفينة
الوشم كان للأغنياء أيضاً
قد نفكر عادة أن الوشم يقتصر على الطبقات العادية والمتدنية أحيانا من المجتمعات ، ولكن في الحقيقة الوشم قد بدأ في الظهور بقوة بطريقة كبيرة في القرن التاسع عشر ، ولم يكن الأمر مقتصراً على البحارة وعلى الأشخاص الذين اعترتهم نزوات تغطية أجسادهم بالحبر ، ولكن لفترة من الزمن كان الرجال والنساء الاثرياء وحتى الملوك على دراية بفن رسم الأوشام .
الإمبراطور نيقولا الثاني - commons.wikimedia |
في الصورة مثلا - نجد أن نيقولا الثاني إمبراطور روسيا حصل على وشم تنين خاص به على ذراعه الأيمن في اليابان في عام 1819
ومن بعد ذلك أراد معظم الأثرياء الآخرين الحصول على الأوشام ، وكذلك الارستقراطيون والرجال والنساء النبلاء ، وبحلول نهاية القرن التاسع عشر ، كانت ثلاثة أرباع النساء النبلاء في مدينة نيويورك قد حبرنّ أجسادهن بالاوشام .
الأوشام لا تزال خطرة
- يمكننا القول ان الأوشام اكثر شيوعاً اليوم وأكثر امانا من أي وقت مضى ، ولكن الحصول على وشم لا يزال امراً يجلب المشاكل فضلاً عن حرمانيته في بعض الأديان .
دراسة استقصائية أُجريت عام 2010 , وجدت أن 40% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً لديهم وشماً واحداً على الأقل .
وعلى الرغم من أن قوانين الولايات المتحدة مثلاً يُتيج لك بوضع الوشم في أي عمر كان ، إلا أن أغلب أصحاب العمل يقومون بإجبار موظفيهم ذوي الأوشام على إخفاء أوشامهم - وهذا فقط كبداية ، ففي دراسة أُجريت عام 2015 على مدى ضرر الوشم في نطاق مدينة نيويورك ، أوضحت أن للوشم مضاعفات قصيرة الأجل ، حيث يعاني حوالي 6% من الأشخاص الذين يضعون أوشاماً من طفح جلدي , وحكة ، أو تورم ، والذي قد يظل مصاحباً للشخص لأكثر من 4 أشهر ، وبعض الناس استمرت معهم تلك المضاعفات لسنوات .
كما ظهرت العديد من التقارير التي تتحدث عن الندوب الخطيرة التي قد تصل إلى حد البتر بعد وضع الوشم ، حيث أن الحبر المستخدم في عمليه الوشم قد يكون ملوثاً بالبكتيريا في بعض الأحيان , ويمكن لمشاركة الإبر أن تنشر الأمراض أيضاً كالإيدز وغيره
ووفقاً لما جاء في مجلة Paste في عام 2017 - فإن رجلاً من تكساس قد توفي عندما سبح في خليج المكسيك بعد خمسة أيام فقط من الحصول على وشم على قدمه ، حيث أُصيب الجرح الناتج عن الوشم وقتله .
هل الوشم محرم في الأديان السماوية ؟
- الأديان السماوية الثلاث- الإسلام والمسيحية واليهودية - جميعها حرمت الوشم ، لما فيه من إيذاء بدني وألم وانحراف في السلوك الطبيعي للبشر .
فالإسلام : حرم الوشم عن طريق وخز الجلد بالإبر لما فيه من إيذاء للبدن دون ضرورة لذلك , وتغيير في خلق الله , ولكن الإسلام أباح وشم الحناء على الجلد لسهولة إزالته بالماء , كما أجاز الإسلام الوشم إذا كان بغرض التداوي من مرض ؛ لأنّ القاعدة الفقهيّة تنصُّ على أنّ الضّرورات تُبيح المحظورات، وقد أباحت الضرورة هنا الوشم لأجل الاستشفاء أو التداوي.
أما المسيحية : فقد حرمت أيضاً تلك العادة لما فيها من تعذيب وإيذاء للجسد ، كما اعتبرتها اليهودية نوعاً من التمائم وعادة وثنية , لذا حرمته اليهودية أيضاً ووقفت ضده بشده .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق