وقفه مع آيه فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ - منتديات غزل وحنين
وقفه مع آيه فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ
وقفه مع آيه فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ
من الآيات التي توضح موقف المؤمنين الأتقياء مما يعتريهم من شؤونهذه الحياة الدنيا
قوله تعالى:
{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا
فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ }
(الأعراف:201)،
فالآية تخبر عن :
المتقين من عباد الله، الذين أطاعوه فيما أمر، وتركوا ما عنه زجر،
أنهم إذا وسوس لهم شياطين الإنس والجن، تذكروا عقاب الله وجزيل
ثوابه، ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا، واستعاذوا بالله، ورجعوا إليه
من قريب، وقد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه؛ إذ هم في مواجهة
ما ينتابهم من وساوس الإنس والجن لا ملجأ لهم إلا إلى الله، فهو
العاصم لهم مما يراد بهم، وهو المسدد خطاهم إلى الصراط القويم.
ولنا مع هذه الآية الوقفات التالية:
الوقفة الأولى:
قرأ جمهور القراء {طائف} وقرأ آخرون (طيف)، وهما قراءتان
متواترتان، قال النحاس: معنى (طيف) في اللغة ما يتخيل في القلب،
أو يُرى في النوم، وكذا معنى (طائف). وقيل: الطيف والطائف معنيان
مختلفان، فالأول: التخيل. والثاني: الشيطان نفسه. وقد روي عن مجاهد
أن (الطيف) هو الغضب.
قال القرطبي:
"ويسمى الجنون، والغضب، والوسوسة طيفاً؛
لأنه لمة من الشيطان، تشبه بلمة الخيال".
وأطلق (الطائف) هنا على الخاطر الذي يخطر في النفس، يبعث على
فعل شيء نهى الله عن فعله، شبه ذلك الخاطر في مبدأ جولانه في
النفس بحلول الطائف قبل أن يستقر.
الوقفة الثانية :
قوله سبحانه: {إذا مسهم} (المس) في أصل اللغة كاللمس، ومما يفترقان
فيه أن (المس) يقال في كل ما ينال الإنسان من شر، وأذى بخلاف
(اللمس). وقد ذُكر (المس) في القرآن في مواضع: مس الضر، والضراء،
والبأساء، والسوء، والشر، والعذاب، والكبر، والقرح، واللغوب،
والشيطان، وطائف الشيطان، ولم يذكر فيه مس الخير والنفع
إلا في قوله سبحانه:
{ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً *
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ }
(المعارج:19-22)،
فقد ذُكر {الخير} هنا في مقابلة {الشر}، ولكن المقام مقام منع الخير
لا فعله، واستعمل (المس) و(المسيس) بمعنى الجماع، وهو مجاز
مشهور كاستعماله في الجنون مجازاً.
الوقفة الثالثة :
هذه الآية سُبقت بآية تأمر بالتعوذ من الشيطان،
وهي قوله تعالى:
{ وَإِمَّا
يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ
بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِي }
يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ
بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِي }
(الأعراف:200)،
وجاءت الآية التي معنا بمنـزلة التعليل للأمر بالاستعاذة من الشيطان،
إذا أحس بوسوسته؛ ولذلك افتتحت بـ {إن} التي هي لمجرد الاهتمام.
فيكون الغرض من الأمر بالاستعاذة بالله مجاهدةَ الشيطان، والتيقظ لكيده،
وأن ذلك التيقظ سنة المتقين، ومنهج السلف الصالحين. فالآية تأكيد
وتقرير لما قبلها من وجوب الاستعاذة بالله تعالى، عند وسوسة الشيطان،
وأن المتقين هذه عادتهم.
قال ابن عاشور:
"ولعل الله ادخر خصوصية الاستعاذة لهذه الأمة، فكثر في القرآن
الأمر بالاستعاذة من الشيطان، وكثر ذلك في أقوال النبي
صلى الله عليه وسلم، كما ادخر لنا يوم الجمعة".
الوقفة الرابعة :
التعبير بأداة الشرط {إذا} والفعل {مسهم} في قوله سبحانه:
{ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ }
إشارة إلى أن الفزع إلى الله من الشيطان، عند ابتداء إلمام الخواطر
الشيطانية بالنفس؛ لأن تلك الخواطر إذا أُمهلت، لم تلبث أن تصير
عزماً، ثم عملاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق