تعد فنون الردود الدبلوماسية وأساليب الرد الذكي من أهم الوسائل الجيدة للتواصل مع الآخرين، ستغطي هذه المقالة المعلومات الأساسية لفهم التقنيات المختلفة للردود الدبلوماسية بطريقة ذكية وسريعة، مما يسمح لك بالخروج من أي محادثات محرجة أو صعبة.
جاء في أدبيات السياسة والعسكر إن الحرب لا تبدأ إلا حين تتوقف الدبلوماسية، ما يعني أن الدبلوماسية هي الحل الذي يمنع وقوع تطورات سلبية تهبط بالأطراف المتحاورة إلى دَرَكٍ غير محبّذ. والحياة، بتفاصيلها الدقيقة، عبارة عن مجموعة كُتل متشابكة، لا يجمع بينها إلا الحوار، وكل حوار له أساسات، متباعدة أحيانا ومتقاربة أحيانا أخرى، لكن حاملها الأساس، بغية الاستمرار في التحاور والوصول إلى نتيجة، هو الرد الدبلوماسي، بكافة أشكاله وأنواعه وتشعباته، ذكيا، صامتا، قويا، عاديا، مهذبا… إلخ، وهذه الردود، عادةً، هي ما ينهي الحوار إلى نتيجة أخيرة، غالبا تكون إيجابية، وفي بعض الأحيان غير ذلك.
في بحثنا هذا، سنلقي الضوء على “الرد الذكي” ومن خلاله، سنبحر في فن الردود الدبلوماسية، والتي ينتمي إليها الرد بكافة أشكاله. سنتعرف إلى فن الردود الدبلوماسية، وفن الردود الذكية، وسيبرز السؤال الجوهري “كيف أتعلم فن الرد”، مع إضاءة على “أساليب الرد الذكي“.
ماذا عن المواجهة المباشرة في الرد، وما هو “التجاهل المتعمد في الرد” ومتى يُلجأ له؟ وما هو الرد الساخر، وماذا عن لغة الجسد في الرد، وأهميتها؟ وما هو الرد بإيجابية؟
فن الرد على الآخرين “فن الرد المسكت”
فن الرد المسكت، أو عملية الإفحام إن صح التعبير، تتصدر قائمة الردود في كل مناحي الحوار والدبلوماسية. يتطلب الأمر في هذا النوع قدرات هائلة على تجميع كافة المعلومات عن القضية الإشكالية التي يخوض الطرفان فيها. على الطرف الذي يهمنا (وهو أنت بطبيعة الحال) عليك أن لا تذهب إلى الحوار حول أي قضية ما لم تكن معلوماتها مشمولة بالكامل في حقيبتك الذهنية، إذ إن لحظة معينة يكون فيها الميزان مائلا لخصمك ستضطرك لاستدعاء الرد الجوهري “المفحم” لتلقيه على الطاولة بجملة واحدة، يؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى النهاية الرابحة لحوارك. إلا أن هذا يبقى مشروطا بأن يكون الرد دقيقا، مبرهنا عليه بإثباتات، وليس رداً على تفاصيل معينة. يسمى هذا النوع من الرد في الأدبيات السياسية “الرد الشمولي” وغالبا لا يستخدم إلا إذا كنتَ قد قررت مسبقا بأن أوان المفاوضات قد شارف على النهاية.
هناك محطات لا بد من الأخذ بها في ممارستك للرد المسكت “الإفحام”، وكل واحدة تشكل بحد ذاتها نوعية مختلفة عن باقي الأنواع:
الهدوء والسمع:
لا تكن منفعلا منذ البداية في أي حوار، ابقَ مصغياً مستمعا لما يقوله الطرف الآخر، فالهدوء والسمع “الإصغاء” سيؤدي إلى تجميع ثغرات جديدة تتوضع في مرمى خصمك. دع الطرف الآخر هو من ينفعل، فالانفعال يصنع منافذ لك سيخسر الطرف الآخر بموجبها.
التحكم والتركيز في لغة الجسد:
من الرأس وحتى أخمص القدمين، هناك لغة خاصة ” غير منطوقة” تسعفك في التحاور، وتضيف على ذكائك ذكاءً من نوع آخر. الجسد منسوب إلى الشخصية، وشخصيتك في الحوار لها فعل الـ 50% وما فوق في تحقيق الانتصار. دع ملامح وجهك، عينيك، شفتيك، هزة رأسك، جلستك (قدم فوق أخرى، أو قدمان متجاورتان) تجيب على بعض الأسئلة. لا داعي للتوتر، فصاحب مقولة “ما قل ودلّ” لم يقل ذلك من فراغ.
الرد بقوة وحزم:
ربما هي مرحلة تم وضعها في الترتيب المناسب لها، إذ أجمعَ خبراء الدبلوماسية على أنها تأتي بعد “الهدوء والسمع” , و”لغة الجسد” واللتين تؤديان إلى إغراق المتحدث الآخر ببعض التفاصيل التي تكسبك نقاطا بسبب الهدوء. هنا، قد تجد الظرف بات مناسبا للانقضاض على الآخر، وذلك بعد ترتيب الأفكار في رأسك، فتتجمع لديك المعلومات وتتهجن مع المستجدات في الجلسة، فينبري عن لسانك رداً قويا حازما، في لحظة يكون الطرف الآخر يعيش التوتر، وبات أقل قدرة على المقاومة من ذي قبل.
الرد المسكت بدون كلام:
لا تمنح لخصمك الفرصة ليمارس هذا النوع عليك، إذ إن كبرى مؤسسات السياسة في العالم تنتهجه كدليل عمل، وكثيرا ما نقرأ في اليوميات السياسة عن جهة تتلقى اتهامات من أخرى فيكون ردها التالي:” هذا الكلام لا يستحق الرد”. إن الترجمة الحرفية لهذه المقولة في الجلسات، هي الصمت والاكتفاء بإشارات وجه “إيماءات” كأن تقول للآخر بعد دقائق من استرساله “شكرا لك.. أعتقد أنه لا داعي لأن نكمل الحوار” فتنهض عن قعدتك كتهديد مبطن بالمغادرة. إن هذا الأسلوب يترك لدى الطرف الآخر أثرا سلبيا يجعله يشعر كما لو أنه اقترف ذنبا فظيعا بحق المؤسسة التي يحاور باسمها.
لمحة عن فنون الرد الدبلوماسي
الدبلوماسية هي جمع أطراف مختلفة وربما متناحرة على طاولة حوار بهدف منع الاصطدام، وغالبا ينتقى الطرف الدبلوماسي من مثقفين وخبراء في الحوار واللياقة والحنكة في الفكر والتخاطب، والبراعة في استخدام ردود الفعل وسوى ذلك من قيم.
فن الدبلوماسية:
منذ القِدم، نشبت الحروب، وما تزال، بسبب انحسار هذا الفن ودوره في الساحات الدولية، ولولا وجوده، أصلا، لشهدنا حروباً أخرى تفوق ما جرى سابقا، وما يجري حاليا، بأضعاف مضاعفة، فهو الفن الذي بات يستخدم، ولو بحدوده الدنيا، في كافة المجالات في الدنيا، بدءا من السياسة والعسكرة، مرورا بالاقتصاد، ولا ينتهي عند التعاملات اليومية أو الاجتماعية أو العائلية ولا حتى الثنائية بين أي شخصين يتحاوران.
فن الردود الذكية:
الرد الذكي شامل لكل أنواع الردود المحتملة، فقد يأتي على شكل صمت، وقد يكون ساخرا ولكن جوهريا، وربما يجيء على شكل ابتسامة، أو هزة رأس.. قد يكون كلاميا، وقد يكون حركيا. بمجرد أن يأتي بنتيجة سيعتبر رداً ذكيا ولا شك.
الأهم في هذا الفن هو الرد اللفظي، إذ يشترط ليكون ذكيا أن يأتي حاسما، حازما، قويا، دقيقا لا لبس فيه، ولكن لهذا الرد شروط أخرى سترد في فقرات أخرى لاحقا.
فن الرد المهذب:
لا تتوفر لك البيئة الدائمة لتقدم ردك القوي والحازم، فربما يكون حوارك مع رئيسك في العمل، وربما مع مسؤول، أو ربما يكون الحوار مع طرف آخر يمتلك بيّنات على موقفه أكثر منك، وهنا لا يمكن لك أن ترفع صوتك، لكن في المقابل لا يجوز لك، بحكم أنك محاور، أن تستسلم. أنت هنا لتحاور وتنجح.
في هذه الحالة، ووفق المعطيات، يبرز الرد المهذب، وهذا النوع تحديدا محكوم بثنائية اللسان والجسد معاً. عليك أن تقدم حركات وإيحاءات للطرف الآخر تخفف من توتره المحق، وكذلك تطلق بضع كلمات رزينة وهادئة محسوبة على التهذيب. في هذه الحالة، لن تخسر المعركة، فعلى الأقل ستنجح في ترتيب جلسة أخرى تستدعي إليها كل ما يدعم موقفك، المحتاج، أصلا، لتقوية.
أساليب المواجهة في الرد على الآخرين:
أنت الآن في قلب المعركة، ولست في حوار على الهاتف. هنا يفترض أنك أحد ثلاثة: أقوى من الآخر، أو أقل منه، أو النسبة متكافئة بينكما. وفي الحالات الثلاث أنت في مواجهة، وللمواجهة أساليب خاصة أثناء التحاور، وهذه الأساليب ليست صنيعة الإعلام أو الأدب، بل صنيعة الدبلوماسية، وعليك الالتزام بها وتنفيذ أحدها في أي موقف تكون فيه.
أسلوب المواجهة المباشرة:
هو أول الأساليب المحبذة في الحوار، والدبلوماسية تفضله على بقية الأساليب لكونها تفترض أن كل مؤسسة أو جهة انتدبت الأفضل لديها للحوار. في المواجهة المباشرة يجب أن تكون الند للند، وقد تصل إلى مرحلة ترمي فيها أوراقك المخبأة قبل موعدها الافتراضي. إذ يتوجب عليك إيهام الطرف الآخر بأنك أتيت إلى هذه الجلسة محملا بكافة الأسلحة، ولا شيء يقنع الآخر بذلك إلا أسلوب المواجهة المباشرة أو بمعنى آخر موقف الند للند، حيث الكلمة بكلمة، والجملة بجملة، وقد ترفع نبرة صوتك في هذه الحالة إلى مستوى نبرة صوته، مع الحفاظ على أخلاقيات الدبلوماسية بطبيعة الحال.
أسلوب التجاهل:
هذا بالتحديد، ساحة خاصة للمحاور، وقد تضطر للخروج فيها عن الخط المرسوم مسبقا، وعادة يجري ذلك حين يتعالى الطرف الآخر، أو يقلل من قيمتك أو قيمة بند معين في القضية المثارة. هنا يمكنك تجاهل ما قاله، وربما تشغل نفسك بشيء آخر، أو قد تغير الحديث بالدخول في موضوع جانبي غير مهم، وهذا يختلف تماما عما ورد في “الرد المسكت“. إنك بهذا الأسلوب ترسل برسالة نفسية للآخر بأن كلامه لم ينل إعجابك وأنه غير مهم، وفي ذلك تهديد مبطن بإنهاء الجلسة دون الوصول إلى حلول.
توجيه الأسئلة القوية:
الأسئلة القوية سلاح فتاك، وبخاصة إذا كانت محرجة، وفي الغالب يحتفظ المحاور الدبلوماسي بها إلى حين معين، ولكن في لحظة ما، قد لا ترى نفسك مضطرا لمواجهة مباشرة ومفتوحة مع الآخر، ولا ترى الظرف مناسبا للتجاهل، فيستعاض عن ذلك بأسئلة قوية تكون غالبا كفيلة بقلب الطاولة رأسا على عقب. وتساعد هذه الطريقة، غالبا، على خلط الأوراق، وبخاصة إذا كان الطرف الآخر واثقا من نفسه قبل ذلك، ومتعاليا عليك.
فن الرد المهذب والذكي على الآخرين
نقف أمام نوعين من الردود، الرد المهذب والذي تحدثنا عنه، والذي غالبا يكون مقرونا بالحركة والكلام معا، و الرد الذكي الذي يتشعب إلى أنواع، منها الصامت، ومنها الحركي، ومنها اللفظي، ومنها التجاهلي، وفي النوعين خلاصٌ من مشكلة، بل إن الأول قد يمدد عمر المشكلة ولكن لصالحك.
إلا أن كثيرين يتعلمون ذلك النوعين ولكن يفتقدون لبعض المسائل والتي يجب توافرها، كالوقت والمكان وسوى ذلك.
اختيار المكان المناسب:
بكل تأكيد، لا يمكن للشخص أن يحاور رئيسه في العمل أمام مجموعة من الموظفين ولو علا صوت الرئيس عليه. هنا يكون المكان المفضل مكتب رئيس العمل، وربما منزله، وفي أحيان أقل شيوعا الهاتف.
اختيار التوقيت المناسب للرد:
الزمان كالمكان، عنصران رئيسان في أية مسرحية، وعادة يكون الحوار، مهما بلغت الدبلوماسية فيه، شقاً من شقوق المسرح. على ذلك يجب اختيار التوقيت المناسب للحوار مع رئيس العمل على سبيل المثال، إذ “لا يمكن أن أحاجج رئيسي وهو منفعل، أو حين يكون ملتزما بمواعيد عمل”، بل يجب ترك الأمور لوقت آخر يصبح فيه الطرف الآخر أكثر استجابة.
ابدأ الرد بعبارة إيجابية:
مهما كان الكلمات التي تعرضت لها من الآخر صعبة على التقبل، فلا بأس أن تبرز نفسك كمحاور حقيقي يتمتع بدبلوماسية عالية، والأفضل دائما انتقاء العبارات المفتاحية المحببة والمهذبة. مثلا:” كلامك صحيح يا سيدي، ولكن لو سمحت لي فإنه لي تعقيب على ذلك… إلخ”.
اطرح سؤالا:
السؤال يبقى السلاح الأمضى في أي معركة كلامية، فكثيرا ما نعجز عن إجابة على كلام الطرف الآخر، والظرف لا يسمح بالصمت الذي سيؤدي إلى الهزيمة، هنا يصبح من السليم أن نفتح طريقا جديدا للحوار من خلال سؤال نوجهه يكون على صلة بالقضية المطروحة.
العتاب:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق