الحنين الى ناصر العزة و الكرامة بقلم عبد المجيد راشد

الحنين الى ناصر العزة و الكرامة

بقلم

عبد المجيد راشد

تطل علينا ذكرى الناصر جمال الحاضر فى الغياب، حاملة معها معانى و قيم ممتدة.

مفتتح المعانى، معنى الوفاء لرموز الأمة الذين اتسعت همتهم لأمال أمتهم. حملوا أرواحهم و غامروا حباً و عشقاً و فكراً و جهاداً لوجه أمتهم. توحدوا معها ألماً و جرحاً و حلماً و أملاً. لم يكتفوا بأن يكونوا شمعة مضيئة فى ليلها الدامس، بل احترقوا من أجل خلق و تجسيد علامات ماكثة على أرض جغرافيا الأمة تنفع ناسها لا زبدا يذهب جفاءاً. كتبوا بدمائهم و أعصابهم و كل جزىء من جزيئات أجسادهم صفحات من العزة و الكرامة و السيادة و العدل والمقاومة والحرية ما جعلهم متربعين فى قلب صفحات التاريخ. تركوا لنا المعنى قبل المبنى، الجوهر قبل المظهر، الصوت قبل الصدى، التجسيد الحى قبل الكلام الميت، منهج التفكير قبل الأفكار ذاتها، الإنسان المالك لإرادته و وعيه و ايمانه كمبتدأ للأشياء، و بإعمال عقله، مكتشف لسنن الخالق جل و علا فى الكون، من الحركة المستمرة، الى التأثر والتأثير “الترابط الجدلى”، الى التراكم الكمى الذى يؤدى الى التغير الكيفى بفعل و عى و ارادة الانسان، و صولا الى النصر الذى هو نتاج الجهد الإنسانى، نتاج العمل من المنطلقات الى الغايات، مروراً بالحركة والأداة و الأسلوب و قوى المستضعفين فى الأرض.

أم المعانى هى تلك التى تدور فى فلك الوفاء لنجوم الأمة و رموزها المضيئة فى فضاء تاريخها الممتد قرون بعد قرون، صفحات من العزة و الكرامة و صفحات من المقاومة و الشهادة. بأيهم اقتدت الأمة اهتدت، فهم فى الجوهر توحدوا مع قوانين حركة الأمة فى التاريخ ووعى الأمة بقيمتها و دورها فى الجغرافيا.
وحدهم صاغوا وعيهم و ارادتهم و جسارتهم و حركتهم فى انجاز مجسد واضح تنطق به سطور التاريخ فعلاً، و تركوا لنا الصياغة قولاً.
وواسطة العقد فى المعانى، معنى الجسارة و عبور المحظور و كسر الحواجز و تحطيم القيود، معنى دور الفرد فى التاريخ، معنى السير على الخط الواضح المستقيم و التقاء كل الذين يحبهم الخالق صفاً واحداً كالبنيان المرصوص لإخرج الأمة من كبوتها وعثرتها وهوانها وتكالب الأعداء عليها من كل ناحية و صوب. معنى أن نكون طرفاً فاعلاً مرفوعاً، لا مفعولاً به منصوباً مصلوباً مشنوقاَ.
معنى أن نخرج من زنزانة النخبة الى براح الناس، من تفاصيل اليومى الى آفاق التاريخى،من اللحظة إلى الأبد، من سجن الذات الى حضن الجموع، من شتات الروح إلى روح الجماعة، من المستحيل الى الممكن.
وحدها الجسارة كالمخاطرة “جزء من النجاة، فجاء الموج فرفع ما تحته و سال على الساحل”، وحدها الجسارة بوابة العبور من استدعاء أقصى ما يمكن من ماض لتجاوزه الى أقصى ما يمكن من مستقبل، وحدها الجسارة توأم الخيال و الحد الفاصل بين الأضل سبيلا من الأنعام و عباد الرحمن أولى البأس الشديد.
أما درة تاج المعانى فتكمن فى وعى العقيدة و شجاعة التجديد، فلم يخلق المولى جل شأنه و علا لعباده عقلاً كى يسجن فى منظومة و يساق كالقطيع، يسمع و يطيع، يؤمر فينفذ، و ما تكالبت علينا الأمم إلا لغلقنا باب الإجتهاد وحبسنا لمفتاحه مجسداً بإعمال العقل.
وحدهم نجوم الأمة ورموزها اكتشفوا السر و أعملوا العقل فكان و عيهم وإدراكهم للمشترك والمتفق عليه و ما أجمعت عليه الأمة، و فتحوا الطريق للأمل والحياة وقدموا الإجابة للأسئلة الكبرى الدائرة فى أذهان الحالمين بمجدها.
قيمة الاحتفاء الحقيقية برموز أمتنا وبذكرى رحيل رمزاً من رموزها ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهو الزعيم و القائد جمال عبد الناصر إمام طلائع الأمة، أن نستلهم من سيرته و مسيرته هذه المعانى لتضيىء لنا الطريق الى العزة و الكرامة.

قيمة الاحتفاء فى تلك الأيام الحالكة السواد والظلمة، أن نشرع فوراً فى بناء الأداة القادرة على الخروج من ليل أمتنا المعتم الى فجرها البصير المبصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق