الاضطرابات اللغوية : المفهوم والأسباب وخصائص المضطربين لغوياً

الاضطرابات اللغوية : المفهوم والأسباب وخصائص المضطربين لغوياً
الاضطرابات اللغوية : المفهوم والأسباب وخصائص المضطربين لغوياً 




الاضطرابات اللغوية : المفهوم والأسباب وخصائص المضطربين لغوياً

Language Disorders :الاضطرابات اللغوية
يعتبر مصطلح الإضطرابات اللغوية مصطلح عام، لذلك فلا غرابة أن نجد عدداً من المصطلحات المتداولة بين المهتمين في هذا الحقل للتعبير عنه، ومن أهم هذه المصطلحات: مصطلح التأخـر اللغـوي Language Delay ، ومصطلح العجز أو القصور اللغوي Language Deficit ، مصطلح الإعاقة اللغوية Language Handicapped ، ومصطلح الاضطراب اللغويLanguage Disorder وهو أحدثها وأكثرها شيوعاً واستخداماً بين العاملين في هذا المجال، وقد برر مستخدمي هذا المصطلح سبب استخدامه بالمبررات التالية :-
1- أن اللغة قد تصاب بخلل أو اضطراب مثلها مثل باقي أعضاء جسم الإنسان وأجهزته، وأن هذا الاضطراب اللغوي إما أن يكون نمائياً، أو قد يكون تطورياً .
أما بخصوص مصطلح العجز اللغوي Language Deficit فنادراً ما يتم استخدامه في الوقت الحالي، كون هذا المصطلح يكاد يعبر عن انحراف الأطفال ذوي الاضطرابات اللغوية عن الطريق الطبيعية في اكتساب اللغة، وأنهم يظهرون أشكالاً أخرى من التعبير أو الاستيعاب اللغوي، في حين أنه في واقع الأمر نرى معظم هؤلاء الأطفال أقرب إلى من هم أقل منهم سناً، مما يجعلنا نفكر ملياً قبل استخدام هذا المصطلح .
وكذلك الحال فيما يتعلق باستخدام مصطلح التأخر اللغوي Language Delay حيث يفهم منه أن الطفل الذي يعاني من تأخر لغوي هو ذلك الطفل الذي يتأخر عن أقرانه في اكتساب اللغة ،إلا أنه سيصل في النهاية إلى التطور اللغوي الطبيعي وإن كان متأخراً عن الموعد المتوقع لمن هم في سنه، ولكن العديد من الدراسات دلّت على أن التأخر في جوانب النمو اللغوي وخاصة في سن ما قبل المدرسة مستمر مع نمو الأطفال ومن الصعب أن يصل في النهاية الطفل المتأخر لغوياً إلى التطور اللغوي الطبيعي ، وسيبقى متأخراً عن الموعد المتوقع لمن هم في سنه ، وهذا يؤثر وبشكل واضح على جوانب نموهم الأخرى واللاحقة وخاصة في عملية اكتساب اللغة المكتوبة وعلى المهارات الأكاديمية المتقدمة أيضاً .
ولعل أكثر المصطلحات استخداماً في الوقت الحالي كما تم التنويه سابقاً ، هو مصطلح الاضطراب اللغوي Language Disorder، حيث عّرف بعض العلماء الاضطراب اللغوي: بأنه الاضطراب الناتج عن عطل في الجانب الوظيفي للغة، بينما عّرف علماء آخرون الاضطراب اللغوي على أنه معاناة الطفل من سلوكات لغوية مضطربة تعود إلى تعطل في وظيفة اللغة في الدماغ، فكما يتعرض أي جانب من جوانب الإنسان إلى اضطراب فكذلك اللغة قد يصيبها ما يصيب الإنسان أو أيا من جوانبه من إضطرابات، أو خلل، وقد يكون هذا الاضطراب نمائياً أو تطورياً .
2- ومن الأسباب الأخرى التي شجعت أيضاً في تداول مصطلح الاضطراب اللغوي على غيره من المصطلحات الأخرى هو أن منظمة الصحة العالمية قد عرفت الاضطراب اللغوي بطريقة تتناسب مع ما يلاحظه الاختصاصيون علمياً في مجال اضطرابات اللغة بأنه : نقص أو خلل في التركيب ( التشريح ) أو الوظيفة( الفسيولوجي) ، بينما مصطلح العجز هو النقص في قدرة الفرد على تحقيق حاجاته اليومية، وهذا النقص يمكن أن يتغير حسب المواقف المختلفة أو المراحل المختلفة في الحياة.
3- والسبب الآخر الذي يجعل الاختصاصيين في مجال النطق واللغة يفضلون استخدام مصطلح الاضطراب اللغوي على غيره من المصطلحات هو رغبتهم في عدم تقييد تعريفهم لهذه الاضطرابات اللغوية بتعريفات ضيقة أو محددة حسب سبب محدد ، وذلك لتنوع أسباب حدوثها، ولعلهم بهذه النظرة الشمولية يوجهون إهتمامهم نحو علاج هذه الاضطرابات أكثر من اهتمامهم بالتعريفات الاصطلاحية وتفاصيلها الدقيقة.
4- كما أن المحفز الأكبر والأقوى في هذا الاستخدام لمصطلح الاضطراب اللغوي هو كذلك تأكيد القانون الأمريكي لذوي الإعاقات (American Act of Children with Disability , 1990)، والذي أكد على عدم إلصاقه صفة العجز أو الإعاقة بالأفراد ، وإنما التركيز على الناس كبشر لهم قيمتهم الاجتماعية والنفسية فلا نقول الأطفال “الضعاف لغويـاً “ أو “ المعاقين لغوياً “ ، ولكن الأطفال ذوي الاضطرابات اللغوية، وذلك لفصل المشكلة عن الأطفال، وعدم الصاق هذه الوصمة بهم، بل التركيز على علاجهم كأطفال لهم حقوقهم البشرية قبل كل شيء، فكل فرد من أفراد المجتمع الطبيعيين قد يتعرض لأي عجز أو إعاقة في مرحلة ما من مراحل عمره، وهذا لا ينقص من قيمته البشرية كإنسان.
ويعرف كل من نيكولوسي وهاريمان وكريش (Nicolosi, Harryman & Kreshech, 1989) الاضطراب اللغويlanguage Disorder بأنه :
" أي صعوبة في إنتاج أو إستقبال الوحدات اللغوية بغض النظر عن البيئة التي قد تتراوح في مداها من الغياب الكلي للكلام، إلى وجود المتباين في إنتاج النمو واللغة المفيدة، ولكن بمحتوى قليل ومفردات قليلة وتكوين لفظي محدد وحذف الأدوات، وأحرف الجر وإشارات الجمع والظروف و/أو عدم القدرة أو القدرة المحددة لاستعمال الرموز اللغوية في التواصل، وأي تداخل في القدرة على التواصل بفاعلية في أي مجتمع وفقاً لمعايير ذلك المجتمع ".
أما تعريف آرام Aram للاضطرابات اللغوية وكما أورده السرطاوي وأبو جودة (1999) فقد أخذ به الكثير من المختصين لاعتقادهم بأنه تعريفاً شاملاً لجوانب وعناصر الاضطراب اللغوي إلى درجة كبيرة، حيـث يقول في تعريفه : إن الاضطرابات اللغوية تتضمن الأطفال الذين يعانون من سلوكات لغوية مضطربة تعود إلى نقص في وظيفة معالجه اللغة، التي تظهر على شكل أنماط مختلفة من الأداء، وتتشكل بواسطة الظروف المحيطة، في المكان الذي تظهر فيه .
وتعقيباً على هذه التعريفات المختلفة للإضطرابات اللغوية ومن وجهات النظر المختلفة أيضاً والتي أسلفنا بعضاً منها، يستخلص الباحث التعريف التالي كونه أشمل تعريف للاضطرابات اللغوية حيث عرفها " بأنها مجموعة غير متجانسة من الاضطرابات التطورية و / أو المكتسبة مع / أو بدون تأخر ، تتصف مبدئياً بنواقص و / أو عدم نضوج في استخدام اللغة المنطوقة أو المكتوبة لأهداف الاستقبال و/ أو الإنتاج اللغوي ، ويمكن أن تؤثر في مكونات اللغة ( الشكل، و / أو المحتوى ، و/ أو الاستخدام اللغوي أيها مع الآخر" ، ويكاد يكون هذا التعريف من الشمول بحيث ضم بين سطوره كافة الاضطرابات اللغوية المكتسبة والتطورية، والتي تضم أيضاً التأخر اللغوي الذي يعبر عن بطء في مراحل إكتساب الطفل للغة دون أن تتأثر اللغة باضطراب يصيب أي من مكوناتها ، حيث تتنوع الملامح الخاصة بالاضطراب اللغوي باختلاف عمر الطفل، وجنسه والبيئة المحيطة به، حيث تتمثل هذه الملامح في محدودية المفردات والجمل المفهومة لدى الطفل، وصعوبة في اكتساب معان ومفاهيم جديدة، مما قد يجعل الاضطراب اللغوي سبباً في نقص المعرفة لدى الفرد وما لذلك من آثار على تطوره النفسي والاجتماعي والشخصي وبالتالي على إندماجه في المجتمع الذي يتواجد فيه سواء في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع المحيط به .
أسباب الاضطرابات اللغوية :
تتعدد الأسباب المؤدية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى شكل ما أو أكثر من أشكال الاضطرابات اللغوية، إذ ترتبط الاضطرابات اللغوية بأسباب نفسية، وأخرى جسميه، أو حسية، أو بإعاقة ما : كالإعاقة العقلية ، أو السمعية ، أو صعوبات التعلم، وعلى ذلك يمكن تقسيم أسباب الاضطرابات اللغوية إلى الأسباب الرئيسة التالية :
1- الأسباب العضوية Organic Causes :
وهي مجموعة الأسباب العضوية والأمراض التي تصيب الأجهزة المسؤولة عن استقبال اللغة وإنتاجها مثل الجهاز العصبي، الجهاز السمعي، الجهاز التنفسي ، والجهاز الصوتي والجهاز النطقي، وتؤدي إصابة أي جهاز من هذه الأجهزة إلى حدوث اضطرابات لغوية.
2- الأسباب الوظيفية أو النفسية Functional or psychological causes
ويقصد بذلك تلك الأسباب المرتبطة بأساليب التنشئة الأسرية والمدرسية، خاصة تلك الأساليب القائمة على أساليب العقاب بأشكاله المختلفة وخاصة العقاب الجسدي، فلا غرابة أن نلاحظ العلاقة ألارتباطيه بين مظاهر الاضطرابات اللغوية كالتأتأة أو السرعة الزائدة في الكلام وغيرها، وبين أساليب التنشئة الأسرية أو المدرسية، وقد أشارت بعض النظريات مثل نظرية التحليل النفسي، والنظرية السلوكية إلى كيفية ظهور التأتأة لدى بعض الأفراد وكيفية تعلمها.
3- الأسباب العصبية ( Neurological causes ) :
ويقصد بذلك تلك الأسباب المرتبطة بالجهاز العصبي المركزي، وما يصيب ذلك الجهاز من تلف أو إصابة ما قبل أو أثناء أو بعد الولادة، حيث يعتبر الجهاز العصبي المركزي مسؤولاً عن الكثير من السلوكات ومنها اللغة ، لذلك فإن أي خلل يصيب هذا الجهاز لا بد أن يؤدي إلى مشكلات في النطق واللغة، وعلى سبيل المثال : تظهر الاضطرابات اللغوية بشكل واضح لدى الأطفال المصابين بالشلل الدماغي Cerebral palsy وذلك بسبب وجود تلف في الدماغ Brain Damage ، ومما يدل على آثار الأسباب العصبية على المشكلات اللغوية حالة فقدان القدرة على النطق أو ما يسمى بالافيزيا أو الحبسة الكلامية Aphasia, والتي تعود إلى أسباب مرتبطة بتلف ما أو إصابة ما بالدماغ ، كذلك حـالات صعوبة القراءة أو ما يسمى بالديسلكسياDyslexia وصعوبة الكتابة أو ما يسمى بالديسغرافيا Dysgraphia, وصعوبة فهم الكلمات أو الجمل Agnosia، وصعوبة تركيب الجمل من حيث القواعد اللغويةAgramatism، إذ تمتلك تلك الحالات مظاهر رئيسة لصعوبات الاضطرابات اللغوية، وخاصة إذا لم يعاني المصاب من أشكال أخرى من الإعاقة ، كالإعاقة العقلية أو السمعيـة أو الانفعالية أو صعوبـات التعلـم أو الشلل الدماغي.
4- الأسباب المرتبطة بتدني القدرات العقلية Low Mentality :
ويقصد بذلك أهمية القدرة العقلية ( الذكاء ) في النمو اللغوي للطفل حيث أثبتت كثير من الدراسات أن الذكاء له أثر واضح ودال على النمو اللغوي واتساع الحصيلة اللغوية، وقدرة الطفل على استخدام الكلمات بمهارة، وكذلك القدرة على فهم أحاديث الآخرين، وأشارت نتائج كثير من الدراسات إلى أن نمو اللغة لدى الطفل يتأثر زيادة أو نقصاناً بمستوى القدرة العقلية، وأن هناك علاقة بين مستوى الذكاء والنشاط اللغوي من حيث التعبير والنطق بالكلمات والحصيلة اللغوية، لذلك نجد أن مستوى الأداء اللغوي للأطفال المعاقين عقلياً هو أقل بكثير من مستوى الأداء اللغوي للأطفال العاديين الذين يناظرونهم في العمر الزمني ، وفي هذا الصدد يؤكد جان بياجيه أن اللغة تنتج مباشرة من خلال نمو الطفل المعرفي ، وأن مقدرته على التطور العقلي تبدأ في نهاية مرحلة النمو الحسي حركي، كذلك تنبثق اللغة في هذه الفترة الزمنية حوالي السنة الثانية من العمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق