“ستجدني عندما تحتاجني”.. كان هذا الاتفاق الضمني الذي أُبرم بين صناع مسلسل Friends وعشاقه من مختلف أنحاء العالم. فلم تكن كلمات الأغنية الشهيرة مجرد تعبير عن حالة الصداقة التي تجمع بين الأبطال الستة، ولكنها وصفت أيضًا العلاقة الوطيدة التي بناها مع المشاهدين على مدار أكثر من ربع قرن. فهو أشبه بمنطقة أمان يلجأ إليها الشخص ليستريح من عناء الحياة مستمتعًا بصحبة رفاق لا يخفقون أبدًا في إزاحة المشاعر السلبية وتحسين المزاج وانتزاع الضحكات.
حقق Friends (1994-2004) نجاحًا جماهيريًا منذ بداية عرضه وظل محافظًا على مكانته كواحد من أهم المسلسلات الكوميدية حتى الحلقة الأخيرة التي شاهدها حوالي 52 مليون شخص داخل أمريكا فقط.
ولم تتراجع أهميته بعد التوقف، بل تحول إلى ظاهرة تستحق التأمل والدراسة لقدرته على اجتذاب أجيال جديدة باستمرار. خاصة بعد إتاحته على Netflix، وانضمامه إلى قائمة المسلسلات الأكثر مشاهدة على المنصة الإلكترونية.
اشتياق الجمهور ومقاومة الممثلين
انتهى عرض المسلسل تزامنًا مع دخول العالم مرحلة جديدة تسيطر فيها مواقع التواصل الاجتماعي على كل شيء في حياتنا. وبالرغم من أنه أفلت من التغييرات التي يفرضها الواقع الجديد على محتوى الحلقات، فقد نال اهتمامًا من نوع آخر لكونه يذكرنا بماضي مختلف حتى وإن كان ليس ببعيد.
لذلك، ظهرت دعوات كثيرة تطالب بعودة Friends من جديد، تحديدًا بعد انتشار موضة إعادة إحياء الكلاسيكيات وإنتاج أجزاء جديدة من مسلسلات قديمة مثل Twin Peaks وGilmore Girls. في المقابل، رفض غالبية الأبطال الفكرة واستبعدوا إمكانية تحققها.
على سبيل المثال، قال ماثيو بيري “تشاندلر” إنه يعاني من كوابيس مزعجة بسبب هذه الدعوات. “عندما أنام، يراودني كابوس أننا نعيد Friends من جديد، لكن لا أحد يهتم بشأنه. حيث نقدم مسلسل بأكمله، ولا يشاهده أحد. لذلك إذا سألني شخص عن العودة، سأقول لا”.
فيما أوضحت ليزا كودرو “فيبي” أن طبيعة المسلسل وأحداثه لا تتناسب مع أعمارهم الآن. “لقد تناول حياة أشخاص في العشرينات والثلاثينات من عمرهم، ولم يكن عن أناس في الأربعينات أو الخمسينات من العمر. وإذا قدمنا نفس المشاكل التي كانت لدينا في الماضي، سيكون ذلك محزنًا”.
أما مات لوبلان “جوي” كان الأكثر حزمًا في الرد: “لا أريد أن أفعل ذلك، الأمر بهذه البساطة… وبصراحة، لا أظن أن هناك شخصًا يرغب في رؤية (جوي) عجوزًا يخضع لعميلة في القولون”.
وقد أدلى كل من ديفيد شويمر “روس” وكورتني كوكس “مونيكا” بتصريحات مماثلة، لكن الوحيدة التي أيدت الفكرة هي جينيفر أنستون “ريتشيل”. إذ قالت: “إنني أتخيل عودتنا، فقد كان أفضل عمل قمت به على الإطلاق. لا أعرف ما الذي يمكن تقديمه اليوم، من الصعب توقع ذلك. هناك العديد من المسلسلات يتم إعادة إنتاجها بنجاح”.
حلقة “لم الشمل” استثنائية
إذًا ما السبب وراء تخلي الأبطال عن قرار الرفض القاطع؟ يعود الفضل إلى شركة Warner Media التي نجحت في اقتناص حق عرض المسلسل على منصتها الجديدة HBO Max مقابل دفع 85 مليون دولار سنويا لمدة خمس سنوات (أي بإجمالي 425 مليونا). حيث تولى مسؤولو الشركة إقناع الممثلين بالعودة في حلقة استثنائية احتفالًا بإطلاق المنصة، لكن تأجل التصوير أكثر من مرة بسبب وباء كورونا. في النهاية، تقرر طرح الحلقة في ذكرى مرور عام على البث أي 27 مايو 2021.
تعتبر هذه المرة الأولى التي يجتمع فيها الأبطال الستة معًا على الشاشة منذ 17 عامًا. فقد حاولوا الظهور على فترات متباعدة في وسائل الإعلام، لكن كان دوما هناك غائب بينهم. وتشير التقارير الصحفية إلى أن أجر كل منهم في حلقة لم “الشمل” يتراوح بين 2.5 و3 مليون دولار.
“تجنبًا لأي سوء فهم حول ماهية هذه الحلقة الخاصة، نريد أن نوضح أنها ليست حلقة أصلية جديدة ضمن أحداث المسلسل. وإنما سيظهر الممثلون بشخصياتهم الحقيقية، وليس في إطار أدوارهم المحبوبة”، هكذا جاء في البيان الصادر عن جهة الإنتاج قبل عام تقريبًا.
وقد أصبح لدينا تصور مبدئي عن طبيعة الحلقة مع طرح الإعلان الدعائي الذي يتضمن لقطات يختبر فيها الأبطال معرفتهم ببعض تفاصيل المسلسل المميزة، ويسترجعون ذكرياتهم مع مواقع التصوير الأيقونية. كما يُعيدون قراءة بعض الجمل الحوارية الشهيرة معًا على الشاشة. كل هذا بالإضافة إلى مقتطفات من مقابلتهم مع المذيع جيمس كوردن أمام الجمهور في الاستوديو.
يمنحنا الإعلان أيضًا فرصة لمعرفة كيفية توظيف قائمة الضيوف الطويلة التي تم كشف عنها. فمثلًا تظهر عارضة الأزياء كارا ديليفين، بالفستان الوردي الذي ارتدته شخصية “ريتشيل” أثناء حضور حفل زفاف وتعرضت بسببه لموقف محرج. كما يظهر ممثل آخر مرتديًا ملابس تنكرية لـ(الآرماديلو) التي طل بها “روس” عندما أراد أن يعرف ابنه على عيد الأنوار “حانوكا”.
وبشكل عام، فإن الحلقة تشهد حضور مجموعة من المشاهير؛ بعضهم شارك في المسلسل مثل ماجي ويلر “جانيس”، وتوم سيليك “ريتشارد”، وريس ويذرسبون “شقيقة ريتشيل”، وجيمس مايكل تايلر “جانثر”. والبعض الآخر لم يشارك مثل ديفيد بيكام، وجاستن بيبر، وليدي جاجا، وسيندي كروفورد.
مصائر الشخصيات
ربما لن يتمكن محبو Friends من مشاهدة أي حلقات جديدة تتناول مصائر شخصياتهم المفضلة، خاصة مع تأكيد صناع المسلسل أن هذا أمر غير قابل للنقاش. إذ قالت الكاتبة مارتا كوفمان: “القصة تدور حول تلك الفترة من الحياة عندما يكون أصدقاؤك هم عائلتك… أما الآن أصبح لدى الشخصيات عائلاتهم الخاصة”.
ومع ذلك، يمكن توقع ما آلت إليه حياة الشخصيات من خلال معرفة تصورات الممثلين الذين جسدوهم على مدار 10 سنوات. حيث ترى كورتني كوكس أن “مونيكا” ستكون من الأمهات اللاتي يشاركن في مجلس أولياء الأمور، وينشغلن بمتابعة كل شيء حول أبنائهن. وتضيف: “أشعر دائمًا أنها ستبحث عن شيئًا يُدخلها في منافسة الأمهات الأخريات، ومن ثم تسعى إلى التفوق عليهن. سواء كان ذلك بيع المخبوزات في المدرسة أو شيء ما… ستكون مزعجة للغاية”.
أما ماثيو بيري، يظن أن “تشاندلر” صار أبًا رائعًا لطفليه، إلى جانب أنه أصبح كاتبًا كوميديًا مميزًا في المجال.
فيما تعتقد ليزا كودرو أن “فيبي” ستجد سبيلًا لاستثمار مواهبها الفنية بشكل عملي. وتوضح: “تعيش فيبي في ولاية كونيتيكت مع مايك وأطفالهما، وهي مسؤولة عن برنامج الفنون في المدرسة… وبالتأكيد تدافع عن أطفالها لأنهم مختلفون كما كانت”.
بينما يتخيل مات لوبلان أن “جوي” يمتلك الآن سلسلة مطاعم وجبات سريعة، ويحرص على أكل كل السندويتشات.
وتتحدث جينيفر أنستون عن “ريتشيل” قائلة: “أعتقد أنها أصبحت تمتلك خط أزياء خاص بها، أشبه بمشروع صغير مثل نيلي لوتان… وتقيم الآن في الجانب الشرقي العلوي من مدينة نيويورك”.
وعن علاقتها بـ”روس”، لم تعلق هي وديفيد شويمر عن مستقبل الشخصيتين معًا. لكن شويمر يرى أن عالم الحفريات لا يزال مهتمًا بالعظام. وقد يشارك “جوي” في سلسلة المطاعم ويخسر الكثير من مدخراته لأطفاله.
في النهاية، قد تكون حلقة “لم الشمل” مختلفة في شكلها ومضمونها عن توقعات محبي المسلسل. لكن في كل الأحوال، هناك حالة من السعادة تغمر القلوب المتشوقة لرؤية الأصدقاء الستة يجلسون معًا لمرة أخرى أمام باقي أصدقائهم حول العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق