الرقص في تشيكيا - منتديات غزل وحنين
الرقص في تشيكيا
عام 1993، وفي حفل عشاء أقيم على شرف الرئيس التشيكي فاكلاف هافل، وقفت سيدة أمريكا الأولى آنذاك على قدمين من جسارة، ومدت ذراعها النحيل إلى الوسيم جينيه سبيرلينج طالبة مراقصته على أنغام الجاز.
صحيح أن وسامة سبيرلنج لا تقاوم، لكن السيدة كلينتون استبقت الباب وأرادت أن تقطع ألسنة نسوة يوسف التي قد تمتد لتغضب ساكن البيت الأبيض، فخاطبت الحشد المستنفر قائلة: "نحن نرقص من أجل عملة عالمية قوية." لم تغب لغة المصالح عن دقات أقدام الراقصين فوق بلاط هافل أبدا، ولم يكن هناك داع لتكشف السيدة كلينتون عن ساقيها قبل أن تدخل داره، فقد أعلن الرجل أكثر من مرة توأمة سياسية كاملة مع السياسة الأمريكية حتى قبل أن تلقي به الثورة المخملية فوق كرسي تشيكوسلوفاكيا قبل أن ينشطر تحت فخذيه إلى نصفين.
لطالما أعلن الرجل الزاهد في الملك أنه لا يبتغي من وراء الكتابة درهما ولا متاعا، وأنه يكره السياسة كما يكره أن يقذف في النار.
لكن عداءه السافر للشيوعيين أهله للعب دور الجوكر في مواجهة التمدد الروسي نحو الغرب. وهكذا وجد فاكلاف نفسه على قمة هرم جليدي يوشك أن ينهار.
وحين بدأت رياح التقسيم تأتي بما لا تشتهيه سفن القوميه، أعلن هافل استقالته من منصبه حتى لا يصبح شاهدا على مشروع التقسيم.
لكن الرجل لم يثبت على مبادئه طويلا، إذ سرعان ما رشح نفسه لانتخابات تشيكيا بعد الانفصال، وتولى الحكم بالتزكية لأن أحدا لم ينافسه على منصبه الشرفي يومئذ.
ولأن الرجل كان أكثر شهرة في الغرب مما كان عليه في مسقط رأسه، فقد ظل يحكم باسم المصالح التي كانت تتمايل دوما مع خصور الأمريكيين الراقصين في بلاطه.
وهكذا، تحول الأديب والمفكر والمناضل هافل من رمز للمقاومة إلى أداة للتحول الدرامي نحو الجاز لينسى السنوات الخمس العجاف التي قضاها في سجون حكام البلاد الشيوعيين.
صحيح أن الرجل ساهم فعليا في إطلاق الحريات لاسيما السياسية في بلاده، فأطلق سراح المعتقلين هناك لأنه "لم يثق في نزاهة الأحكام التي صدرت ضدهم إبان الحكم الشيوعي" إلا أنه أفسد الحياة السياسية والفكرية وساهم في ازدياد معدل الجريمة بفعلته تلك كما يقول معارضو سياساته التحررية.
واليوم، وبعد عقدين من الحفلة الاقتصادية الراقصة في بلاط سيد تشيكيا، لا نرى على الساحة السياسية من راقصي العشاء الأخير أحدا، فقد بدلت أمريكا سيدتها الأولى بسوداء لا نثق إن كانت تجيد الرقص في بلاط تشيكيا، لكن من المؤكد أنها صافحت السيد سبيرلنج أكثر من مرة بعد أن اصطفاه زوجها وجعله مستشاره الاقتصادي الأول.
من المؤكد أن مؤهلات السيد سبيرلنج لم تقتصر على الرقص في بلاط التشيك أو فوق بلاط البيت الأبيض، فقد كافح الرجل مع إدارة أوباما من أجل أن لا يسقط الاقتصاد الأمريكي في فخ الركود مجددا، لكن رياح الاقتصاد لا تأتي دائما وفق ما تشتهي أقدام الراقصين فوق الخرائط المقسمة.
فها هو جينيه سبيرلنج يغادر طاقم الإدارة الأمريكية بعد أربع سنوات من الفشل ليخلفه جيفري زينيتس الذي لا يقل وسامة ورشاقة.
لكن رغم تغير أقدام الراقصين وإيقاع أقدامهم، تظل تشيكيا ساحة مؤهلة لرقص الدبلوماسية الأمريكية الناعم وعملتها القوية.
وعلى خطى فاكلاف هافل، ها هو رئيس تشيكيا الحالي ميلوس زيمان يفتح أبواب مملكته الصغيرة لراقصي الجاز من الأمريكيين والإسرائيليين ويبادلهم الرقص، بل ويقيم معهم علاقة سياسية آثمة في مضاجع تشيكيا المخملية، وها هو يعلن في حفلة عربدة ماجنة عن نيته المبيتة في نقل سفارة بلاده إلى القدس ضاربا بإخمص قدمه مؤخرة القادة العرب الذين انشغلوا حتى أرانب أنوفهم في دفع نسائم الربيع الكاذب عن ميادينهم الثائرة.
من حق تشيكيا أن ترقص تحت دقات المصالح، ومن حق السيدة الأولى أن تختار من تراقصه دون أن تضطر لإبداء أسبابها لجوقة من الناظرين إلى خصرها والمائلين بقدودهم حيث مالت.
ومن حق الشعوب العربية أن تسأل جامعتها عن الخطوات التي يمكن أن تؤثر على عملة أمريكا وربيبتها إسرائيل كي توقف مهزلة الرقص فوق مقدساتنا الآيلة للسقوط. ومن حقنا أن نتشكك في جدوى التهديد بقطع العلاقات العربية مع دولة اختارت أن ترقص على إيقاع الجاز ولغة المصالح.
يمكننا أن نتشنج في ردود أفعالنا وأن نهدد ونرغي ونزبد، لكنني لا أعتقد أن أفعالنا ستتجاوز عتبة التهديدات ورفع الأصابع.
عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات
عام 1993، وفي حفل عشاء أقيم على شرف الرئيس التشيكي فاكلاف هافل، وقفت سيدة أمريكا الأولى آنذاك على قدمين من جسارة، ومدت ذراعها النحيل إلى الوسيم جينيه سبيرلينج طالبة مراقصته على أنغام الجاز.
صحيح أن وسامة سبيرلنج لا تقاوم، لكن السيدة كلينتون استبقت الباب وأرادت أن تقطع ألسنة نسوة يوسف التي قد تمتد لتغضب ساكن البيت الأبيض، فخاطبت الحشد المستنفر قائلة: "نحن نرقص من أجل عملة عالمية قوية." لم تغب لغة المصالح عن دقات أقدام الراقصين فوق بلاط هافل أبدا، ولم يكن هناك داع لتكشف السيدة كلينتون عن ساقيها قبل أن تدخل داره، فقد أعلن الرجل أكثر من مرة توأمة سياسية كاملة مع السياسة الأمريكية حتى قبل أن تلقي به الثورة المخملية فوق كرسي تشيكوسلوفاكيا قبل أن ينشطر تحت فخذيه إلى نصفين.
لطالما أعلن الرجل الزاهد في الملك أنه لا يبتغي من وراء الكتابة درهما ولا متاعا، وأنه يكره السياسة كما يكره أن يقذف في النار.
لكن عداءه السافر للشيوعيين أهله للعب دور الجوكر في مواجهة التمدد الروسي نحو الغرب. وهكذا وجد فاكلاف نفسه على قمة هرم جليدي يوشك أن ينهار.
وحين بدأت رياح التقسيم تأتي بما لا تشتهيه سفن القوميه، أعلن هافل استقالته من منصبه حتى لا يصبح شاهدا على مشروع التقسيم.
لكن الرجل لم يثبت على مبادئه طويلا، إذ سرعان ما رشح نفسه لانتخابات تشيكيا بعد الانفصال، وتولى الحكم بالتزكية لأن أحدا لم ينافسه على منصبه الشرفي يومئذ.
ولأن الرجل كان أكثر شهرة في الغرب مما كان عليه في مسقط رأسه، فقد ظل يحكم باسم المصالح التي كانت تتمايل دوما مع خصور الأمريكيين الراقصين في بلاطه.
وهكذا، تحول الأديب والمفكر والمناضل هافل من رمز للمقاومة إلى أداة للتحول الدرامي نحو الجاز لينسى السنوات الخمس العجاف التي قضاها في سجون حكام البلاد الشيوعيين.
صحيح أن الرجل ساهم فعليا في إطلاق الحريات لاسيما السياسية في بلاده، فأطلق سراح المعتقلين هناك لأنه "لم يثق في نزاهة الأحكام التي صدرت ضدهم إبان الحكم الشيوعي" إلا أنه أفسد الحياة السياسية والفكرية وساهم في ازدياد معدل الجريمة بفعلته تلك كما يقول معارضو سياساته التحررية.
واليوم، وبعد عقدين من الحفلة الاقتصادية الراقصة في بلاط سيد تشيكيا، لا نرى على الساحة السياسية من راقصي العشاء الأخير أحدا، فقد بدلت أمريكا سيدتها الأولى بسوداء لا نثق إن كانت تجيد الرقص في بلاط تشيكيا، لكن من المؤكد أنها صافحت السيد سبيرلنج أكثر من مرة بعد أن اصطفاه زوجها وجعله مستشاره الاقتصادي الأول.
من المؤكد أن مؤهلات السيد سبيرلنج لم تقتصر على الرقص في بلاط التشيك أو فوق بلاط البيت الأبيض، فقد كافح الرجل مع إدارة أوباما من أجل أن لا يسقط الاقتصاد الأمريكي في فخ الركود مجددا، لكن رياح الاقتصاد لا تأتي دائما وفق ما تشتهي أقدام الراقصين فوق الخرائط المقسمة.
فها هو جينيه سبيرلنج يغادر طاقم الإدارة الأمريكية بعد أربع سنوات من الفشل ليخلفه جيفري زينيتس الذي لا يقل وسامة ورشاقة.
لكن رغم تغير أقدام الراقصين وإيقاع أقدامهم، تظل تشيكيا ساحة مؤهلة لرقص الدبلوماسية الأمريكية الناعم وعملتها القوية.
وعلى خطى فاكلاف هافل، ها هو رئيس تشيكيا الحالي ميلوس زيمان يفتح أبواب مملكته الصغيرة لراقصي الجاز من الأمريكيين والإسرائيليين ويبادلهم الرقص، بل ويقيم معهم علاقة سياسية آثمة في مضاجع تشيكيا المخملية، وها هو يعلن في حفلة عربدة ماجنة عن نيته المبيتة في نقل سفارة بلاده إلى القدس ضاربا بإخمص قدمه مؤخرة القادة العرب الذين انشغلوا حتى أرانب أنوفهم في دفع نسائم الربيع الكاذب عن ميادينهم الثائرة.
من حق تشيكيا أن ترقص تحت دقات المصالح، ومن حق السيدة الأولى أن تختار من تراقصه دون أن تضطر لإبداء أسبابها لجوقة من الناظرين إلى خصرها والمائلين بقدودهم حيث مالت.
ومن حق الشعوب العربية أن تسأل جامعتها عن الخطوات التي يمكن أن تؤثر على عملة أمريكا وربيبتها إسرائيل كي توقف مهزلة الرقص فوق مقدساتنا الآيلة للسقوط. ومن حقنا أن نتشكك في جدوى التهديد بقطع العلاقات العربية مع دولة اختارت أن ترقص على إيقاع الجاز ولغة المصالح.
يمكننا أن نتشنج في ردود أفعالنا وأن نهدد ونرغي ونزبد، لكنني لا أعتقد أن أفعالنا ستتجاوز عتبة التهديدات ورفع الأصابع.
عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق