:
” حبُّ الله وحبُّ الرسول “
بقلم الداعية : مهندسة بهيرة خيرالله
الحُبُّ أصله فى لغة العرب الصفاء ؛ وقيل مأخوذ من ” الحُباب” الذى يعلو المطر الشديد ، وعليه عرَّفوا المحبة بأنها غليان القلب عند الاحتياج إلى لقاء المحبوب ؛ وقيل مأخوذ من الثبات ، ومنه أحب البعير إذا برك ، فالمُحب قد لزم قلبه محبة من يحب فلم يرم عنه انتقالاً ، أى فلا يود تركه .
وحُبُّ الرَّسُول صلي الله عليه وسلم هو المدخل إلي حُبِّ الله تعالى ؛ وقد بيَّن القرآن الكريم ماهية المُحببات الثمانية ، في قوله تعالى : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)} [ التوبة ] . َ
وعَشِيرَتُكُمْ يعني أهلكم وأقاربكم ؛ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا يعني اكتسبتموها وحصلتموها ؛ تَرْضَوْنَهَا يعني تحبونها ؛ أى إن كانت هذه الأشياء الثمانية أحبُّ إليكم من الله ورسوله والجهاد فى سبيل الله فانتظروا ماذا يحِلُّ بكم من عقابه ونكاله . ونلاحظ أن خمسة منها هى العلاقة مع الآباء والأبناء والأرحام ، ونحن مأمورون ببر الوالدين وصلة الأرحام ، ولكن المسلم الحق هو الذى يُحب فى الله ويكره فى الله ، ويؤكد ذلك ما جاء فى السيرة من أن أخوة الإسلام أقوى من صلات الدَّم كما كان يقع في الغزوات من قتال الأخ أمام أخيه والابن أمام أبيه حمية لله ولدينه ورسوله …
– ويقول تعالى : { لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ .. (22)} [المجادلة ] ، فترتيب الأولوية فى حب الله ورسوله يُبين المسلم الحق الكامل الإيمان ، كما جاء عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال : ( والذى نفسى بيده لا يؤمنُ أحدُكُم حتى أكونَ أحبُّ إليه من والدِه وولدِه والناس أجمعين ) – أخرجه البخارى – وروى الإمام أحمد عن زهرة بن معبد عن جده قال : كنَّا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو آخذٌ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال عمر : والله لأنت يا رسولُ الله أحبُّ إلىَّ من كل شئٍ إلا من نفسى ، فقال صلي الله عليه وسلم : ( لا يؤمنُ أحدكم حتى أكون أحبُّ إليه من نفسه ) ، فقال عمر : فأنت يا رسول الله أحبُّ إلىَّ من نفسى ، فقال : الآن يا عمر ) – انفرد بإخراجه البخارى –
– وحبُّ الله تعالى حُبٌّ جبلىّ غير مُكتسب، فهو من الفطرة الإيمانية ، فهو تعالى مُستحقٌ للحب بمعنييه : الحب العاطفى ، والحب العقلى ، كما قالت رابعة العدوية ( من أئمة الزُّهاد العُبَّاد الصوفية ) : < أحبك حُبين : حُبَّ الهوى ، وحُبٌّ لأنك أهلٌ لذاك > .
– أما حُبُّ الرسول صلي الله عليه وسلم فهو حبٌّ فى المقام الأول مُكتسب ٌ، يبدأ عاطفياً نابعٌ من صفات ذاته السامية من حسن خلقه وشمائله ، فهو خير قدوة وأسوة للناس ولأنه طائعٌ لربِّه ، ثم يصير عقلياً ، ويكون هذا باتباع سُنته والإقبال على المنهج وقبول التكاليف ، فهو المُبلغ عن ربِّه عز وجلَّ ، فاكتمال الإيمان يكون بالحب العقلى كما فطن له عمر رضي الله عنه ؛ فحبه صلي الله عليه وسلم من أساسيات الاسلام فهو نور الهداية للبشرية جمعاء ، وهو الرحمة المهداة للعالمين .
– روى أنس بن مالك أن إعرابياً جاء إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ قال : وماذا أعددت لها ؟ قال : حُبُّ الله ورسولُه ، قال : أنت مع من أحببت ) .
– إذن المدخل إلى حبِّ الله تعالي هو حبُّ رسول الله صلي الله عليه وسلم ؛ فكيف نثبت حبنا لله ؟
– يقول تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(31)} [آل عمران] ، إذن حبّ الله تعالى يكون باتباع سُنة رسوله . وليس المهم أن نحب الله ، ولكن الأهم هو أن يبادلنا الله حباً بحب ، فالحب من الله توفيقاً وهداية ورحمةً وعفواً ؛ فكيف يحبنا الله تعالى ؟ :
– يقول تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } [مريم:96] ، كيف يجعل الله محبة الخلق للعبد ؟
– عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلي الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا أحبَّ الله عبدًاً نادى جبريل إنَّ الله يحب فلاناً فأحببه
، فيحبه جبريل ، فينادى جبريل فى أهل السماء : إنَّ الله يُحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول فى الأرض ) – رواية البخارى –
فلنتحسَّس حب الناس المُجرد عن المصالح والحاجات الدنيوية .. الحب المُجرد فى الله .. فإن وجدناه فلنفرح بهذا ونثبت على الطاعة لله ورسوله ولا نغتر … وإن وجدنا غير هذا فلنراجع أنفسنا خوفاً ورهبة من بغض الله .
لكن ما الطريق إلى محبة الله ؟ :
1) بلوغ الإيمان : بأداء الفرائض ، وهو دليل الطاعة والانقياد ، فلا إيمان بلا عمل ـ وشرطه الصلاح ، كقوله : { الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالحَات } .
2) بلوغ الإحسان : بمراقبة الله تعالي فى كل فعل أو قول أو عمل كما قال صلي الله عليه وسلم : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ؛ وبأداء ما زاد على ذلك من جنس الفريضة كما يوضَّح الحديث القدسى : يقول تعالى : ( ما تقرَّب إلىَّ عبدى بشئٍ أحبُ إلىَّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه .. فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به ، وبصره الذى يبصر به ، ويده التى يبطش بها ، ورجله التى يمشى بها …ولئن سألنى لأعطينه ، ولئن أعاذنى لأعيذنه ) .
3) طاعة الرَّسول واتباع سنته :
– يقول تعالي ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) النساء / 59 .
– ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر/7 .
4) أداء الطاعات : فلابد من أداء الفرائض والنوافل وطاعة النبى صلي الله عليه وسلم ، فقد أوصانا بحُسن الخلق وحُسن معاملة الناس وأقلها طلاقة الوجه والبعد عن الأذى قولاً وفعلاً .
فإن الله تعالي يحب المُحسنين ، ويحب المتقين ، ويحب الصابرين ، ويحب المتوكلين ، ويحب المُقسطين ، و{ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}[ الصف/4 ] ، ويحب الإنفاق في سبيله وحسن الخلق : ( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس و اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) [ آل عمران/134 ] ، ويحب الذين : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً [ الإنسان/ 8 ] ؛ ويحب الصدق والأمانة : فقد َرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحِبّهُ الله فَعَلَيْهِ بِصِدْقِ الحَدِيث وَأَدَاء الأَمَانَة وَأَلا يُؤْذِيَ جَاره ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق