شذرات من كتاب “اندهش يا صديقي” لعبد الوهاب مطاوع، عن كيف يضع الناس الحواجز فيما بينهم، فتزول لحظات الصفاء والمودّة وراحة القلب والنفس فيما بينهم!
1- القصة الأولى: كان هناك رجلان غريبان التقيا في المطار؛ فتعرّفا واكتشفا أنهما أصدقاء طفولة؛ فاندفع كل واحد تجاه الآخر، وأخذوا يستعيدان أيّام الطفولة؛ حيث كان أحدهما نحيفًا والآخر بدين،وأخذا يتبادلان الحديث والنكت.
فسأل البدين النحيف عن أحواله؟
فأجاب النحيف أنه موظّف بسيط في الحكومة، وتساعده زوجته في أعباء البيت، فهو موظف من الدرجة الثامنة.
فردَّ النحيف السؤال للبدين سائلًا عن أحواله؟
فأجابه البدين أنه يشغل وظيفة مستشار سام في الحكومة وحاصل على وسام النجمتين.
فجأة اختلف تعامل النحيف، فأخذ ابنه يُعدّل من بدلته، وأخذ هو يقول للبدين أنني سعيد بلقاءك يا صاحب السعادة!
فترنّ كلمة “صاحب السعادة” في أذن البدين، ويحس أنه تم وضع حاجزًا وهميًا بينه وبين صديق الطفولة!
فأحس البدين أن لحظات الصفاء التي كانت موجوده قبل وضع الحاجز قد اختفت، فصافحه وانصرف، وترك البدين صديق الطفولة وأسرته البائسة في ذهول سعيد!
2- القصة الثانية: يقول توفيق الحكيم حين كان يشغل منصب وكيل النائب العام، قابل الفنان المشهور باسم عمر أفندي، وكان صديق قديم له، فوجدها توفيق الحكيم فرصة حتى يخرجا الاثنان معًا لشوارع المدينة يتحدثان عن الفن.
وكان عمر أفندي يتحدث مع توفيق الحكيم بتلقائية، يستعيدان الأيام الخوالي.
ويقول الحكيم: أنه كلما شاهد شرطيًا، مال بصاحبه إلى شارع جانبي، حيث كان يخشى أن يكون قادمًا له باستدعاء النيابة.
فخاف عمر أفندي من الحكيم وقال له ماذا تعمل؟!
ولماذا تخشى رجال الشرطة كلما رأيتهم دخلت في شارع آخر؟!
فكان الحكيم لا يرد، ويطلب منه أن يكمل الحديث.
وأثناء السير ركض عمر أفندي خوفًا من الحكيم، وبالصدفة كانت تمر دورية شرطة، فأوقفت عمر أفندي. وسُأل لماذا يركض هكذا؟
فقال أنا لا أعرف هذا المجرم (قاصدًا توفيق الحكيم)!
وأثناء اقتراب توفيق الحكيم من الدورية، ليقوم بحل المشكلة، تعرّف رجال الشرطة عليه، فنزلوا من عرباتهم، وقاموا بإعطاء التحية لتوفيق الحكيم وكيل النيابة.
بعد رحيل دورية الشرطة؛ طلب توفيق الحكيم من صديقه أن يُكملا الحديث الذي قطعة ركضه؛ فأجاب عمر أفندي:
(الوقت قد تأخر كثيرًا على سعادتك، فالساعة 2 بعد منتصف الليل)!
فوقعت كلمة “سعادتك” على أذن توفيق الحكيم كالرنين، فعلم أن هناك حاجزًا وهميًا تم وضعه من صديقه، فانصرف الحكيم!
المغزى الذي تنطق به القصتين السابقتين:
أن الإنسان لا يكون هو نفسه في بساطته وتلقائيته، ولا صاحب مشاعر صادقة، إذا بالغ في كونه أقل جدارة بصداقتهم لمجرد اختلاف الحظوظ والمراتب فيما بينه وبينهم!
الإنسان يحتاج إلى صداقة حقيقية، وإلى دفء مشاعر الأصدقاء القدامى، لأنهم جزء من حياته، يحس بالخواء النفسي إذا افقده بغض النظر عن حقوقهم في الدنيا!
الإنسان؛ كل إنسان جدير بالاحترام، وبالصداقة، لسجاياه وأخلاقه قبل أي شئ آخر .
فلا تضع نفسك دون منزلتك، لمجرّد أن حصانك مازال يجري بطيئًا في سباق الحياة.
لأنك إذا لم تعرف لنفسك حقّها، فلن يعرفه لك أحد، إلا المنصفون وحدهم، وما أقلهم في هذه الحياة الصاخبة، وما أندرهم حين يلتفت الإنسان حوله باحثًا عن راحة القلب والنفس مع من يطمئن إليهم، بلا هواجس ولا ظنون، فيطول بحثه قبل أن يجد بغيته الثمينة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق