الضمائر الظاهرة.. والضمائر المستترة
سعيد حسين القاضى تم النشر فى اليوم السابع 7/5/2014
قسَّم النحويون الضمائر إلى ضمائر بارزة ظاهرة منطوقة، وضمائر مستترة يتم تقديرها حسب ترتيب الجملة.. وفى عالم البشر، للناس أيضا ضمائر ولكن ضمائر الناس كلها مستترة وليس بينها ضمائر ظاهرة.. ومن رحمة الله بعباده أن جعل ضمائر الناس مستترة.. فهو وحده “يعلم خائنة الأعين وما تُخفى الصدور” فلو كانت ضمائر الناس ظاهرة ومقروءة لساءت العلاقات بين البشر.. وانكشفت عوراتهم.. وأصبح التعامل بينهم صعب المنال..
وتخيل معى لو كانت ضمائر الناس ظاهرة.. أوْ لها روائح يشمها المستمع.. فماذا سيكون موقف المخادع الذى يمطرك بكلمات المودة والمحبة بينما ضميره الظاهر تفوح منه رائحة خبيثة لتقول له: أنت مخادع.. وكيف يكون حال المنافق الذى يمدحك بما ليس فيك للوصول لهدف معين.. بينما ضميره الظاهر يقول له: أنت منافق.
ولكننا على أى حال مطالبون بأن نحكم على الناس من خلال سلوكهم ولا نفتش عن ضمائرهم المستترة.. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأحد أصحابه عندما تعامل مع الضمير المستتر “هلا شققت عن قلبه؟”
فلو عمل إنسان عملا طيباً.. علينا أن نستقبل عمله بالشكر والتقدير دون النظر إلى دوافعه أو ما يخفيه ضميره المستتر..
وبما أننا نقول “كل إناءٍ بما فيه ينضح”..إشارة إلى أن إناء المسك.. تفوح منه رائحة المسك.. وإناء الفنيك تفوح منه رائحة الفنيك.. إلا أن الإنسان بما أوتى من حيلة وذكاء أصبح قادراً على التحايل لينضح بما ليس فيه.. والقرآن الكريم يحدثنا عن بعض هؤلاء الذين “يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم”.
لكن بعض الذين يتظاهرون بغير ما تخفى ضمائرهم.. قد يخونهم ذكاؤهم وتخذلهم حيلتهم.. فيكشفون بأنفسهم ضمائرهم المستترة.. وذلك من خلال تناقض سلوكهم.. وتضارب أقوالهم مع أفعالهم… فالذى يذم إنسانا فى غيابه ويصفه بما يقلل من شأنه.. وفى ذات الجلسة لو حضر الغائب ترى من كان يذمه يسبقك فى المبالغة بالترحيب به.. وبنفس الشفاه التى مازالت ملوثة بذمه يطبع على وجهه القبلات دون حياء.. أليس بهذا التصرف يكشف بنفسه ضميره المستتر؟
والطبيب الذى يقابلك بوجه متجهم فى المستشفى العام ثم بوجه باسم يفيض بالبشر فى عيادته الخاصة.. والمدرس الذى لا يعطى ما عنده من علم فى المدرسة ويجود به فى الدرس الخصوصى.. ومسئول النظافة الذى يهتم بالشارع الذى يمر به المسئول فقط ويهمل الحارة التى يسكن بها أهله.. والصانع الذى يغش فى صنعته.. والتاجر الذى يحمل مسبحة طويلة وتتمتم شفتاه بالتسابيح ثم يخدعك ويطفف الكيل ويخسف الميزان.. والذى يخدع فتاة باسم الحب والزواج حتى ينال مأربه.. وغيرهم.. وغيرهم..
أليس كل هؤلاء بسلوكهم المتناقض يظهرون ضمائرهم المستترة التى تفضل الله عليهم بإخفائها..
غير أن بعض ذوى الفراسة يستطيعون كشف هؤلاء بما يلاحظونه من تناقض الأقوال مع الأفعال.
الضمير أيها السادة هو الدينامو المحرك للسلوك.. وهو الموجه لدافة السفينة.. فإن فلح وصلح كانت الوجهة سليمة.. وإن فسد فعلى الدنيا السلام.
“إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله.. وإن فسدت فسد الجسد كله.. ألا وهى القلب”.. اللهم أصلح قلوبنا وضمائرنا.. واجعلنا خيراً مما يظنون.. واغفر لنا ما لا يعلمون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق