عاشق الجغرافيا المفكر .. جمال حمدان

 عاشق الجغرافيا المفكر .. جمال حمدان


معرض القاهرة للكتاب: ماذا قال المفكر الراحل جمال حمدان عن مستقبل نهر النيل  في مصر؟ - BBC News عربي
جمال حمدان



عندما نتكلم عن الجغرافيا او السياسة والفكر دائما تطرح ذاكرتنا كتب العالم المصري الراحل د. جمال حمدان ، صاحب موسوعة " شخصية مصر" والذي نحتفل بذكرى رحيله .
واسى نفسه ذات يوم قائلا : " لو كان جمال حمدان أوروبيا أو أمريكيا لتحولت مقولاته إلى مزامير تتلى صباح مساء، ولكانت مقولاته ورؤاه الاستراتيجية عنوانا عريضا لدى معظم الباحثين ومراكز الدراسات".

 

البداية
اسمه كاملاً جمال محمود صالح حمدان، تنحدر أصوله من قبيلة "حمدان" وهي إحدى القبائل العربية التي وفدت على مصر عقب الفتح الإسلامي، شهدت محافظة القليوبية ولادته بقرية "تاي" في الرابع من فبراير عام 1928، كان والده يعمل كمدرس للغة العربية بإحدى المدارس، هذا الأب الذي اهتم بتحفيظ أبنائه السبعة القرآن الكريم وتجويده، وزرع بهم الكثير من القيم والمبادئ.
التحق حمدان في المرحلة الثانوية بالمدرسة التوفيقية عام 1943، وعقب نيله للشهادة الثانوية التحق بكلية الآداب قسم الجغرافيا بجامعة فؤاد الأول "القاهرة" وتخرج منها عام 1947، وقد كان حمدان دائماً الطالب المجتهد المتفوق وهو الأمر الذي جعل الجامعة ترسله في بعثة إلى بريطانيا عام 1949 وهناك حصل على الدكتوراه في فلسفة الجغرافيا من جامعة ريدنج 1953 عن رسالته "سكان وسط الدلتا قديماً وحديثاً".




المرحلة العملية
عقب عودته إلى مصر عمل حمدان أولاً مدرساً بقسم الجغرافيا بكلية الآداب جامعة القاهرة، ثم أصبح أستاذاً مساعداً وخلال هذه الفترة أصدر حمدان ثلاث كتب هي: جغرافيا المدن والمظاهر الجغرافية لمجموعة مدينة الخرطوم "المدينة المثلثة" و دراسات عن العالم العربي، وكانت هذه الكتب من التميز حتى أنه تم منحه جائزة الدولة التشجيعية عام 1959.
كان نجاح حمدان سلاحا ذو حدين فمن جانب جذبت كتبه أنظار المثقفين المصريين والعرب، ومن جانب آخر بدأ الحقد والغيرة تدب في نفوس عدد من زملائه وأساتذته وهو الأمر الذي لم يحتمله حمدان، كما جاءت نكسة يونيو 1967 لتزيد إكتئابه وضيقه، قرر أن ينأى بنفسه بعيداً عن كل ذلك فقدم استقالته من الجامعة عام 1963 وتفرغ لعشقه الأول "الجغرافيا" وقرر أن تكون الأبحاث والدراسات التي يقوم بها والتأليف هم الأصدقاء الجدد الذين يؤنسون وحدته خاصة أنه لم يتزوج وكان بعيداً عن الأصدقاء والناس.




الجغرافيا والتاريخ عند حمدان



لم تكن الجغرافيا عند حمدان مجرد تضاريس وموقع، ولكنه كان يرى أن من يدرس الجغرافيا ويعرفها جيداً يتعرف على طبيعة الحياة بمكان معين، والخلفية التاريخية والسياسية والاقتصادية والبيئية له حتى يصل لأدق تفاصيل الحياة العادية للبشر في الإقليم.
والجغرافيا كما قال عنها حمدان في تقديمه لكتاب "شخصية مصر" أنها علم "التباين الأرضي"، بمعنى التعرف على الاختلافات الرئيسية بين أجزاء الأرض على مختلف المستويات، فمن الطبيعي أن تكون قمة الجغرافيا هي التعرف على "شخصيات الأقاليم"، والتي تتساءل أساساً عما يعطي كل منطقة تفرّدها وتميزها بين سائر المناطق، وكان يرى أن العلاقة بين الإنسان والطبيعة في المكان والزمان متوازنة، فلا ينحاز إلى طرف على حساب الآخر .
وفي كتابه تتضح نظرته الجغرافية المتوازنة للعلاقة بين الإنسان المصري والطبيعة بصفة عامة والنيل بصفة خاصة، وكيف أدي ذلك في النهاية إلى صياغة الحضارة المصرية على الوجهين المادي والروحي.

 

وقال حمدان عن الجغرافيا " أنها علم بمادتها فن بمعالجتها وفلسفة بنظرتها"، كما قال أيضاً "أنها العلم الذي يحول الظاهرات التي تشغل سطح الأرض من حقائق مرصوصة إلى أفكار رصينة".
ويرى حمدان أن الجغرافيا هي الجذر الجبري للتاريخ، فيصفها قائلاً "أنها تاريخ توقف بمثل ما إن التاريخ جغرافيا متحركة"، ومن هنا جاء إلمام حمدان بتاريخ مصر بجميع مراحله.
وفي مقدمة كتابه "إستراتجية الاستعمار والتحرير" أكد حمدان على أهمية البعد التاريخي كمدخل لأية دراسة علمية جادة وعميقة للواقع السياسي والإستراتيجي المعاصر واعتبر أن التاريخ هو معمل الجغرافي ومخزن الاستراتيجي فالتاريخ إذا كرر نفسه فان هذا التكرار هو الجغرافيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق