هل تفهم الكلاب لغة البشر؟
هل الكلاب تستوعب ما نقوله لها، بل هل تراقب أشكال تعبيراتنا؟
هذا ما تحاول الإجابة عنه دراسة حديثة، مشيرة إلى أن ذلك صحيح بشكل ما، حيث استطاع علماء باستخدام أجهزة الرنين المغناطيسي الوظيفي قياس نشاط مخ الكلب عندما يتلقى الأوامر لفظياً.
وقد ذكر عالم الأعصاب في جامعة إيوتفوس وراند في بودابست بالمجر، وأحد المشاركين الرئيسيين في الدراسة، أتيلا انديكز، أنهم وجدوا أن الكلاب تنمي مهارات التعرف على الكلمات والمعلومات بمواقع عدة في دماغها، بطريقة تشابه الإنسان.
فمثلاً الكلب يفرق بين قولك Good bye وGood boy ولهذا تختلف درجة استجابته باختلاف العبارتين، حيث يدرك اللكنة. كما أن الكلاب لها معقولية في التمييز ليس للأصوات اللغوية فحسب، بل أيضاً المدلولات اللغوية، وكذلك قول كلمات لا معنى لها بتاتاً حيث لا تبدي اهتماماً.
ولوحظ أنه عندما تسمع الكلاب إشادة تصبح مراكز معينة في دماغها نشطة ومتوقدة وتشعر بالمرح، بخلاف عندما نقول لها ما يجعلها تشعر بالغضب أو الحزن، بغض النظر عن إدراكها التام لمدلول العبارة المعينة التي قيلت لها، وهي تتدرب على اللغة بهذا المنوال.
ولكن هل لإدراك اللغة عند الكلب علاقة بالتعابير الجسدية أم الملفوظات فحسب؟
هنا يوضح لنا العلماء بحسب الدراسة أنه مثلاً عندما يسمع الكلب صوتك عبر الهاتف فهو لا يرى تعابير الجسم، حيث يتعاطى مباشرة مع المعلومات الصوتية، لكن هناك نبرة الصوت التي سيتم ربطها بالعبارة المنطوقة، وقد كانت المفاجأة أن الكلب ستكون له القدرة على الإدراك أيضاً إذ لا يتعلق الأمر عنده بالصورة البصرية مقرونة باللغة كما قد يعتقد ليكون له أن يفهم.
من جهته، يرى البروفيسور بكلية بارنارد في نيويورك، ومؤلف كتاب سيصدر قريباً بعنوان "كينونة الكلب. معرفة عالم الشم عند الكلاب"، ألكسندر هورويتز، أنه "يجب أن نكون حذرين بعض الشيء بخصوص تعاطي الكلاب مع اللغة البشرية، فهي وإن كانت تبدي تجاوباً وتعلماً إلا أن طريقة وعي الكلمات قد لا تكون بالمفهوم الذي عندنا نحن البشر".
ويضيف: "ما من شك أنها سوف تكون قادرة على فهم شيء ما، مدلول ما، ربما المعنى نفسه أو تذكر هذه الكلمة التي قيلت من قبل، ومشاعر محددة بشأنها، على الأقل الشعور بالألفة مع المفردة، ولكن هذا لا يدل بالشكل التام على الاستيعاب الكامل كما الإنسان".
مع ذلك فالعالمان هورويتز وانديكز يتوافقان على أن هذه الدراسة تفتح آفاقاً نحو حل لغز الإدراك اللغوي عند الكلاب، فمثلاً أن الكلب لا يستجيب لبعض الترهات كأن تقول له "هيا إلى الطبيب البيطري" ونحن نكذب في الواقع، حيث علينا أن نعلم أن الكلاب قد اختبرتنا أكثر مما نتصور في هذا العالم.
والكلاب، بحسب الدراسة، لها إدراك للجغرافيا والمكان من خلال الاتباع والتقليد، فهي تتبعنا وتعرف أين نذهب وقبل ذلك التصرفات المصحوبة بعملية ما قبل الذهاب، كأن ترتدي ملابس معينة، فملابس الرياضة تعني أنك ذاهب إلى الرياضة، أما ملابس العمل فقد تكون مختلفة، لهذا لا يمكن لنا أن نخدع الكلاب، وهنا سيكون للغة أو المنطوق عندما يتعلق بالمكان علاقة بأين سنذهب؟ ولو حاولنا الخداع ستعرف ذلك، فالطريق إلى عيادة الطبيب غير الطريق إلى المتجر، ليست هي بهذه البلاهة المطلقة. إنها ببساطة تتبع عاداتنا وتفهمنا أكثر مما نتصور.
"إن المثير في الأمر هو تشبيه الكلاب بعلماء الأنثربولوجي، فهي لديها حاسة قوية في مراقبتنا كيف نتصرف ونفعل الأشياء، وكيف نستجيب للعالم من حولنا، لهذا ليس من السهل أن نخدعها، إذا قلت إنك ذاهب إلى عيادة الطبيب البيطري، فهذا يعني أنك ذاهب فعلاً. لا مجال لخداع كلب".
ويطرح انديكيز سؤالاً أنه إذا كانت الكلاب تشابه لحد ما البشر في الآليات الذهنية نفسها لمعالجة اللغة أي تركيب الدماغ، فما الذي يجعل الثدييات عموما تتأخر في تطوير مهاراتها اللغوية مقارنة معها؟
والإجابة كما يقترحها أن هذا التشابه بين البشر والكلاب في الآلية ليس وليد اليوم، فهو ربما يعود إلى نحو 100 مليون سنة، إلى آخر سلف مشترك بين الكلاب والبشر، وقد يكون ذلك حاضراً لدى ثدييات أخرى كالقطط مثلاً، لكن يبدو بشكل عام أن هذه الثدييات الأخرى ليس لديها حساسية الكلب في التفاعل. فالكلاب تبدو لديها رغبة أكبر في أن تفهم ما يدور في عالمنا وترغب في التواصل معنا، وهذا ما يجعلها تتعلم وتطور هذه المهارة تدريجياً. وقد لا يكون مرد الاختلاف إلى تركيب عضوي في الدماغ ما بين الكلاب وغيره من الثدييات، إلا أن الكلاب بحكم أنها تعيش معنا في البيئة نفسها فقد تعودت على الاهتمام بما نقوم به نحن البشر، وطورت ذلك عبر السنين، بحيث كان لها أن تتآلف مع ما نتفوه به ولم يعد غريباً عنها..
"إنهم ببساطة، أي الكلاب، لديها الفرصة الأكبر لمعرفة خطابنا أكثر من الحيوانات الأخرى التي لا تبدي اهتماماً".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق