آيام زمان

 

 

في الماضي كان الاقتراب من هاتف المنزل محظوراً وممنوعاً إلا على الوالدين وإذا رن الهاتف تتعالى أصواتهم من بعيد لا أحد يرد

في الماضي كان الأب عملاقا كبيرا، نظرة من عينه تخرسنا و ضحكته تطلق أعيادا في البيت..وصوت خطواته القادمة إلى الغرفة تكفي لأن نستيقظ من عميق السبات

في الماضي كانت المدرسة التي تبعد كيلومترات قريبة لدرجة أننا نمشى إليها كل صباح ونعود منها كل ظهيرة، لم نحتاج إلى باصات مكيفة ولم نخش على أنفسنا ونحن نتجول في الحارات

في الماضي لم تكن هناك جراثيم على عربات التسوق ولم نعرفها في أرضيات البيوت ولم نسمع عنها في إعلانات التلفزيون ولم نحتاج لسائل معقم ندهن فيه يدينا كل ساعتين

لكننا لم نمرض.

فى الماضى كان في طائرة من ورق معها أحلام طفل صغير.. من صنع يديه يضع فيها أماني المستقبل.. وحرية التحليق في سماء عالية بألوان قوس قزح تجلب معها البهجة والسرور كلما ارتفعت وارتفعت.

فى الماضى كان في مظروف يعنى خطاب وكارت هدايا بنود به بعض لو كنا مسافرين.. ونعبر عن محبتنا.. ونفتكر بعض في الفرح والحزن مع بوكيه ورد جميل.

فى الماضى كان في فرحة لكل مناسبة أول يوم دراسة أول مولود أول مرتب.. رمضان كان له أغاني ومسحراتي وفانوس بشمعة.. وعيد يأتي مع فلوس جديدة وملابس جديدة تنام جنبنا على المخدة.

فى الماضى كان في مكتبة نقرأ فيها كتاب.. وممكن نرسم ونلون..

في الماضي كانت للأم سلطة وللمعلم سلطة وللمسطرة الخشبية الطويلة سلطة نبلع ريقنا أمامها

وهي وإن كانت تؤلمنا لكنها جعلتنا نحفظ جزء عم وجدول الضرب وأصول القراءة وكتابة الخط العربي

ونحن لم نتعد التاسعة من العمر بعد

في الماضي كان ابن الجيران يطرقُ الباب ويقول أمي تسلم عليكِم وتقول عندكم بصل .. طماطم .. بيض .. خبز

إخوان في الجوار والجدار وحتى في اللقمة

في الماضي كانت الشوارع بعد العاشرة مساءً تصبح فارغة

فى الماضى كان اللي عايز ينجح ويذاكر كان بيدور على عمود نور ولمبة جاز.. وكان بيبقى من المتفوقين.

فى الماضى كان في جيران بتود بعض.. من غير تطفل وازعاج.. ومعاك ايه وجببت دي بكام…. كانوا أقرب من الأهل لو كنت فرحان أو كنت زعلان.

فى الماضى كان الأكل يعني لمة… ليها معاد لو على سفرة أو طبلية.. وعزائم حلوة في بيت الأجداد بتلم العيلة في يوم جمعة.

فى الماضى كان في الصاحب الجدع اللي في ضهرك وكأن معاك 100 راجل.. وابن البلد اللي لوشافك في أزمة ميعرفكش يقوم يقف لك.. ولو وقعت يساعدك ويجري بيك على مستشفى…

فى الماضى كان الراديو عادة .. حفلة أم كلثوم … وأبلة فضيلة… وكلمتين وبس… والتلفزيون اختراع جديد .. وفلم أبيض وأسود .. وبرنامج يجمعنا ونستناه.

في الماضي كان الستر في الوجوه الطيبة الباسمة وكانت أبواب البيوت مشرعة للجيران والترحيب يُسمعُ من أقصى مكان وكنا نتبادل أطباق الطعام

والآن نتبادل الشكوك وسوء الظن ⁦ والآن عرفتم من هم الطيبين الذين رحلوا ؟

زمان كان في بساطة …. بس كان في نجاح له طعم تاني كانت الناس بتحب بعض من غير غرض ناس عارفة قيمة بعض وخايفة على بعض عايشين اليوم بيومه ومش شايلين هم بكرة … ناس عارفة يعنى ايه عقيدة ولمة.. عارفة إن البيت المصنع الأول للإنسان..

التكنولوجيا سهلت حاجات كتير في الحياة..
بس يمكن فقدنا الإبداع والإيمان بفكر.. يمكن فقدنا اللمة… ويمكن تكون عملت فوارق وصنفتنا … ويمكن كل إما الحياة بقت أسهل من غير جهد…. كل إما فقدنا الشغف للمعرفة والعطاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق