لشارع الهرم صورة ذهنية في عقول المصريين والعرب، ارتبط بكونه هدفا للباحثين عن المتع المختلفة كالرقص والغناء وشرب الخمور وأشياء أخرى، لكن حمدي أبو جليل روى تاريخ هذا الشارع في كتابه «القاهرة.. شوارع وحكايات».
يمتد شارع الهرم أو الأهرامات من كوبري عباس إلى أهرامات الجيزة، لذلك فهو من أطول شوارع القاهرة الكبرى إذ يبلغ طوله 11 كيلو مترا، ويكاد يكون الشارع الوحيد الذي يمر بطريق مستقيم وبعرض واحد يصل إلى 40 مترا.
وينفرد الشارع بارتباطه الوثيق بالحضارة الفرعونية، فإذا كانت بعض الشوارع الشهيرة في هذه المدينة تزدحم بآثار الحضارة الإسلامية، فإن هذا الشارع يقف شاهدا على ملامح حضارة عمرها سبعة آلاف سنة من تاريخ البشرية.
أحجار القلعة مرت من هنا
سبب وجود هذا الشارع يرجع إلى أن صلاح الدين الأيوبي اتخذ من أرضه الممهدة جسرا لنقل الأحجار التي تم اقتلاعها من الأهرامات لتشييد قلعته على حافة جبل المقطم، والتي صارت بعده مقرا لحكم مصر حتى عهد محمد علي باشا.
كانت هذه العملية قاسية سواء على العمال الذين اقتلعوا هذه الأحجار أو على الحمير والبغال التي نقلتها عبر جسر أو شارع الهرم، أما قسوتها فقد كانت على آثار الحضارة الفرعونية التي شوهت.
لكن شارع الهرم لم يتأسس في عهد صلاح الدين الأيوبي أو في عصر الدولة المملوكية، وإنما تأخر قرونا، فبعد إتمام بناء القلعة ظلت منطقة الجسر مهملة ولم يكن يمر بها سوى بعض الأمراء الذين وجدوا في نهب آثار الجيزة وسيلة سهلة لبناء القصور والجوامع، وكذلك بعض المتآمرين من المستشرقين الذين كانوا يدّعون الولع باكتشاف أسرار الحضارة الفرعونية رغم أن رغبتهم الحقيقية كانت المتاجرة في الآثار.
السلطان العثماني في الطالبية
ظل جسر الهرم على حاله كدرب خفي ومريح لنهب الآثار المصرية إلى أن زار السلطان العثماني مصر في أبريل عام 1863، إذ أبدى قبل القيام بزيارته التاريخية لمصر رغبته في التمتع بجولة سياحية أو ترفيهية حول أهرامات الجيزة، فأنشأ الخديوي إسماعيل على عجل شارع أو جسر الهرم وزينه بالأشجار على الجانبين وعمل به قناطر وبرابخ تمر فيها المياه للري، فليس من اللائق أن يمر سلطان الإمبراطورية العثمانية من جسر كان مخصصا لسارقي الآثار.
تمت زيارة السلطان عبد العزيز على خير وجه، ومر من شارع الهرم واستراح في قرية الطالبية قبل أن يتجول حول الأهرامات.
شارع القصور والحدائق والترام
ومنذ ذلك التاريخ وإلى فترة طويلة كان معظم رواد هذا الشارع من المتفرجين على الأهرامات والآثار القديمة، وعند آخره أقام إسماعيل قصرا، وعلى أحد جانبيه أنشأ آخر يحتوي على حديقة مربعة كانت مساحتها نحو خمسمائة فدان، وكانت تلك الحديقة تشتمل من العجائب ما يبهر العقول إلى جوار الشلالات والأزهار والرياحين والطيور والوحوش والحيوانات الجبلية، وكل نوع منها في مقاصير خاصة به، وقد روعي رفع أرضها بحيث لا تنضح بالماء في زمن الفيضان.
كما شيد إسماعيل في شارع الهرم قصرين عظيمين بحدائق وبساتين تحيط بهما أسوار مبنية بالأحجار الملونة ومساحتها كانت نحو 93 فدانا، أحدهما لنجله حسين باشا والآخر لنجله حسن باشا.
ثم أنشأ الخديوي إسماعيل في وسط شارع الهرم سكة حديد كانت تسير عليها قطارات الترام حتى عام 1958، عندما أعيد تخطيط الشارع وتم نزع قضبان الترام ليصبح على صورته الحالية في اتجاهين مختلفين.
طه حسين والملاهي الليلية
كان شارع الهرم منذ عهد الخديوي إسماعيل وإلى فترة طويلة الواحة الهادئة التي يفر إليها الأمراء والأثرياء ووجهاء القوم بعيداً عن ازدحام وصخب القاهرة حيث الهدوء والراحة، ومن أشهر من سكن الشارع عميد الأدب العربي طه حسين الذي قام بإشراف زوجته الفرنسية ببناء فيلا أنيقة حولتها وزارة الثقافة المصرية بعد رحيله إلى متحف ومركز ثقافي يحمل نفس الاسم الذي أطلقه عليها طه حسين «رامتان».
وفي بداية سبعينيات القرن الماضي انقلب مسار شارع الهرم وأصبح من أكثر شوارع القاهرة ازدحاما، فضلا عن أنه احتل بجدارة مكانة شارع عماد الدين القديمة وصار مكانا مفضلا للهو والمرح والسهر وربما مغامرات الحب إلى جوار الفن خصوصا الغناء، لدرجة أنه أصبح موطنا دائما لكل مطربي العالم العربي من المحيط إلى الخليج.
وابتداء من السبعينيات بدأ الشارع يتبوأ مكانته الجديدة كشارع سياحي وتجاري وفني، ازدحمت على جانبيه أكبر وأهم الملاهي الليلية والمسارح التي تستقطب يوميا العديد من مشاهير الفنانين والفنانات المصريين والعرب، لدرجة أن بعضهم أقام ملاه ليلية ومسارح تحمل اسمه في هذا الشارع مثل مسرح «الزعيم» لصاحبه عادل إمام، وكازينو الفنانة عتاب الذي يحمل اسمها، وكازينو «الليل» الذي أقامته الفنانة شريفة فاضل وغيرها من الملاهي الليلية التي أقامها الفنانون ورجال الأعمال والتي تبدأ العمل من التاسعة مساء حتى الصباح، وتستقطب أعدادا كبيرة من جميع الجنسيات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق