قصة بشر الحافي

بشر بن الحارث الحافي

بشر الحافي

ليس تابعياً، وإنما هو في الطبقات التي جاءت بعد التابعين، وقد وردت ترجمته في كتب التراجم والرجال، وننقل لك منها ما أورده ابن كثير في البداية والنهاية، حيث قال:

هو بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله المروزي أبو نصر الزاهد المعروف بالحافي. نزل بغداد. قال ابن خلكان: وكان اسم جده عبد الله الغيور، أسلم على يدي علي بن أبي طالب قلت: وكان مولده ببغداد سنة خمسين ومائة، وسمع بها شيئاً كثيراً من حماد بن زيد وعبد الله بن المبارك وابن مهدي وأبي بكر بن عياش وغيرهم، وعنه جماعة منهم: أبو خيثمة وزهير بن حرب وسري السقطي والعباس بن عبد العظيم ومحمد بن حاتم.

وقد سكن بغداد ومات فيها، وكان كبير الشأن , من أغني أغنياء بغداد , وقد كان قمّاراً خمّاراً زمّاًرا وكان لا يتورع عن فعل المنكرات والمحرمات الكبيرة

قال محمد بن سعيد: سمع بشر كثيراً ثم اشتغل بالعبادة واعتزل الناس ولم يحدث، وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة في عبادته وزهادته وورعه ونسكه وتقشفه.


قال إلإمام أحمد يوم بلغه موته: لم يكن له نظير إلا عامر بن عبد قيس ولو تزوج لتم أمره، وفي رواية عنه أنه قال: ما ترك بعده مثله، وقال إبراهيم الحربي: ما أخرجت بغداد أتم عقلاً منه، ولا أحفظ للسانه منه، ما عرف له غيبة مسلم، وكان في كل شعرة منه عقل ولو قسم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلاء وما نقص من عقله شيء


أسباب توبته


وحدث يوماً أن كان الإمام الكاظم، ماراً من أمام بيت بشر، وكانت أصوات اللهو والطرب تملأ المكان فصادف أن فتحت جارية باب الدار لإلقاء بعض الفضلات، وحين رمت بها في الطريق سألها الإمام الكاظم ? قائلاً:
“يا جارية! هل صاحب هذه الدار حر أم عبد”؟! فأجابته الجارية وهي مستغربة سؤاله هذا بشر رجل معروف بين الناس، وقالت: بل هو حر!! فقال الإمام : “صدقت لو كان عبداً لخاف من مولاه”. الإمام قال هذه الكلمة وانصرف.


فعادت الجارية إلى الدار وكان بشر جالساً إلى مائدة الخمر، فسألها: ما الذي أبطأك ؟ فنقلت له ما دار بينها وبين الإمام ، وعندما سمع ما نقلته من قول الإمام: “صدقت، لو كان عبداً لخاف من مولاه”.

اهتز هزاً عنيفاً أيقظته من غفلته، وأيقظته من نومته، نومة الغفلة عن الله. ثم سأل بشر الجارية عن الوجهة التي توجه إليها الإمام ، فأخبرته فانطلق يعدو خلفه، حتى أنَّه نسي أن ينتعل حذاءه ، وكان في الطريق يحدث نفسه بأن هذا الرجل هو الإمام موسى بن جعفر، وفعلاً ذهب إلى منزل الإمام ، فتاب على يده واعتذر وبكى ثم هوى على يدي الإمام يقبلها وهو يقول: سيدي أريد من هذه الساعة أن أصبح عبداً ولكن عبداً لله ، لا أريد هذه الحرية المذلة التي تأسر الإنسانية فيّ ، وتطلق العنان للشهوة الحيوانية, لا أريد حرية السعي وراء الجاه والمنصب ، لا أريد حرية الخوض في مستنقع الذنوب وأغدوا أسيراً لها. لا أريد أن تؤسر فيّ الفطرة السليمة والعقل السليم. من هذه الساعة أريد أن أصبح عبداً لله ولله وحده، حراً تجاه غيره.


وتاب بشر على يد الإمام الكاظم. ومنذ تلك اللحظة هجر الذنوب ونأى عنها وأتلف كل وسائل الحرام، وأقبل على الطاعة والعبادة. بشرهذا هو مهاجر أيضاً “لأن المهاجر من هجر السيئات”


ومن أسباب توبته أيضا أنه أصاب في الطريق ورقة مكتوب فيها اسم الله عز وجل وقد وطئتها الأقدام ، فأخذها وإشترى بدرهم كان معه غالية ( نوع من الطيب) فطيب بها الورقة وجعلها في شق حائط ، فرأى فيما يرى النائم كأنّ قائلا يقول: يقول لك إلهك: يا بشر طيبت اسمي لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة .

من كلامه: من أحب الدنيا فليتهيأ للذل، وكان بشر يأكل الخبز وحده فقيل له: أما لك أدم؟ فقال: بلى أذكر العافية فأجعلها أدماً. وكان لا يلبس نعلا بل يمشي حافياً فجاء يوماً إلى باب فطرقه فقيل من ذا؟ فقال: بشر الحافي، فقالت له جارية صغيرة: لو اشترى نعلاً بدرهم لذهب عنه اسم الحافي. قالوا: وكان سبب تركه النعل أنه جاء مرة إلى حذاء فطلب منه شراكاً لنعله فقال: ما أكثر كلفتكم يا فقراء على الناس فطرح النعل من يده وخلع الأخرى من رجله وحلف لا يلبس نعلا أبداً. قال ابن خلكان: وكانت وفاته يوم عاشوراء وقيل في رمضان ببغداد وقيل بمرو سنة سبع وعشرين ومائتين. قلت: الصحيح ببغداد في هذه السنة وقيل في سنة ست وعشرين، والأول أصح والله أعلم.

وحين مات اجتمع في جنازته أهل بغداد عن بكرة أبيهم فأخرج بعد صلاة الفجر فلم يستقر في قبره إلا بعد العتمة، وكان علي المدائني وغيره من أئمة الحديث يصيح بأعلى صوته في الجنازة هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة، وقد روي أن الجن كانت تنوح عليه في بيته الذي كان يسكنه، وقد رآه بعضهم في المنام فقال: ما فعل الله بك، فقال: غفر لي ولكل من أحبني إلى يوم القيامة.

والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق