توفيت لي أخت رضيعة، وعمرها ثمانية شهور، فأخذها أبي ودفنها، ونسي أن يصلي عليها، وقد مرت على وفاتها سنوات عديدة. فهل يصح أن يصلي عليها في قبرها؟
الجواب:
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فالصلاة على الميت بعد دفنه مسألة اختلف فيها الفقهاء والراجح أنه يجوز الصلاة على الميت بعد دفنه وبخاصة إذا دفن دون أن يُصلى عليه، لأن في ذلك تدارك لفرض لم يؤد في حينه، فضلا عن أن الصلاة على الميت دعاء له، وهو مشروع في جميع الأوقات.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور أحمد طه ريان -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر-:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- في قصة المرأة التي كانت تقم المسجد، فسأل عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ماتت، فقال أفلا كنتم آذنتموني؟ فكأنهم صغروا أمرها، فقال: دلوني على قبرها، فدلوه فصلى عليها” متفق عليه. وزاد مسلم: ثم قال: (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم”. كما أخرج البخاري أنه –صلى الله عليه وسلم- (كان قد صلى على قبر غلام من الأنصار كان قد دُفن ليلاً، ولم يشعر المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ بموته)، وغير ذلك من الأحاديث التي تدل على مشروعية الصلاة على القبر، وهي نصوص عامة تشمل من صُلي عليه قبل دفنه، ومن دُفن ولم يصلَّ عليه، وقد قال بذلك الشافعي وعدد من الفقهاء.
وذهب الإمام مالك ومعه بعض أهل العلم إلى عدم مشروعية الصلاة على القبر بعد دفن الميت، حيث إنهم وجهوا الأحاديث الثابتة بذلك إلى أن الصلاة على القبر بعد الدفن إنما هي خصوصية له –صلى الله عليه وسلم-.
والمختار من ذلك هو مشروعية الصلاة على الميت بعد دفنه، إلا أن العلماء القائلين بمشروعية الصلاة على القبر اختلفوا في تحديد مدة هذه المشروعية، فذهب بعضهم إلى أنها تجوز إلى شهر من يوم الدفن مستدلين في ذلك بما قاله سعيد بن المسيب: أن أم سعد ماتت والنبي –صلى الله عليه وسلم- غائب، فلما قدم صلَّى عليها، وقد مضى لذلك شهر.
كما ذهب بعضهم إلى أنه يُصلى عليه ما دام الجسد باقيًا في قبره لم يَبْلَ؛ لأنه بعد تحلل الجسد وصيرورته ترابًا فلا محل للصلاة عليه لعدم وجود ما يُصلى عليه حينئذٍ.
وقال رأي ثالث بأنه يُصلى عليه أبدًا، وهو ما نختاره خصوصًا إذا كان لم يصلَّ عليه قبل الدفن، وذلك لأمرين: أحدهما: تدارك فرض لم يؤدَّ في حينه، وقد أمكن تداركه بالصلاة على القبر، ثانيهما: أن المقصود من الصلاة هو الدعاء للميت، والدعاء مطلوب للميت ولو بعد مئات الأعوام، وهذا باتفاق العلماء.
لذلك نقول: إنه لا بأس من الصلاة على قبر الأخت التي دُفنت ولم يُصلَّ عليها.
والله أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق