* التهجد :
لغة : هَجُدَ يهجُد هُجُودا فهو هاجد ، أي نام . والهجود هو النوم .
واشتق منه التهجِد هو صلاة الليل . والتاء تسمي تاء الإزالة والسلب أي إزالة النوم والاستراحة ؛ كالتأثم سلب الإثم أو إبعاده ، والتحرج إبعاد الحرج . وتهجد أي أزاح النوم وصلي بالليل .
– ولم يذكر في القرآن فعل تهجد إلا مرة واحدة فى قوله تعالي :
{ ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسي أن يبعثك ربك مقاما محمودا (79)} [ الإسراء] .
وقوله : { ومن الليل } للتبعيض .
وقوله : { فتهجد } أي اطرح النوم وقم الليل بعضه في سائر أوقاته ، والتهجد ما كان من صلاة بعد العشاء الآخرة حتي الفجر .
وقوله : { به} عائد علي القرآن
وقوله { نافلة } والنافلة هي الزيادة من الأمر المحبوب .
وقوله: {لك} دليل على أن الأمر بالتهجد خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فالأمر للوجوب . زيادة لك في الفرض . زيادة لك فى علو القدر ورفع الدرجات بخلاف غيرك فإنها تكون كفارة لسيئاته .
ويحتمل أن يكون المعني : أن الصلوات الخمس فرض عليك وعلي المؤمنين ، بخلاف صلاة الليل ، فإنها فرض عليك بالخصوص لكرامتك علي الله أن جعل وظيفتك أكثر من غيرك ، وليكثر ثوابك وتنال المقام المحمود
وقوله : {عسى أن يبعثك} تعليل لتخصيصه بإيجاب التهجد عليه، والرجاء من الله تعالى وعد محقق الأداء .
وقوله : { مقاما محمودا } والمقام المحمود هو الشفاعة العظمي يوم العرض ، وهو مقام يحمده فيه الأولون والآخرون .
وقد ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة : عن رسول الله أنه سُئِلَ : أيُّ الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: “صلاة الليل” .
وكان قيام الليل فرضا علي النبي كما جاء فى قوله تعالي: { ياأيها المزمل * قُمِ اليل إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القرآن تَرْتِيلاً} [المزمل: 1 – 4] .
وهنا يقول الشيخ الشعراوي : لكن ما عِلَّة هذه الزيادة في حَقِّ رسول الله ؟ العلة في قوله تعالى: { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل: 5] وكأن التهجُّد ليلاً، والوقوف بين يدي الله في هذا الوقت سيعطي رسول الله القوة والطاقة اللازمة للقيام بهذه المسئولية الملقاة على عاتقه ، ألاَ وهي مسئولية حَمْل المنهج وتبليغه للناس . فإنْ ضاقت عليه الأسباب فليس أمامه إلا المسبِّب سبحانه يلجأ إليه ويُهْرع إلى نجدته {إِنَّ نَاشِئَةَ الليل هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل: 6] لأنك في الوقت الذي ينام فيه الناس ويخلدون إلى الراحة وتتثاقل رؤوسهم عن العبادة، تقوم بين يدي ربك مناجياً مُتضرِّعاً، فتتنزل عليك من الرَّحمات والفيوضات ، فَمَنْ قام من الناس في هذا الوقت واقتدى بك فَلَهُ نصيب من هذه الرحمات، وحَظٌّ من هذه الفيوضات .
– ثم نسخت فرضية قيام الليل علي المسلمين عامة الذين اهتدوا بسُنة نبيهم فى قيام الليل ، وبقي الأمر للنبي خاصة ، وكان بين أول هذا الوجوب ونسخه سنة ، وهذه هي السورة التي نسخ آخرها أولها ، حيث رحم المؤمنين فأنزل التخفيف عليهم بقوله : { إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ .. ﴿٢٠﴾} [ المزمل] أي علم تعالى أنكم لن تطيقوا قيام الليل كله ولا معظمه، فرحمكم ورجع عليكم بالتخفيف { فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ } أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، وإنما عبَّر عن الصلاة بالقراءة، لأن القراءة أحد أجزاء الصلاة ؛ ثم بيَّن سبب النسخ : {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ } تخفيفا للمريض والمسافر سفرا مباحا للتجارة أو للجهاد أو الحج والعمرة ونحوه ، فكل من هذه الفرق الثلاثة يشقُّ عليهم قيام الليل ، فلذلك خفف الله عنهم .
فلله الحمد والمنة الذي ما جعل علي الأمة من حرج فى إقامة شعائر دينه بل سهل عليهم وراعي أحوال عباده ومصالح دينهم وأبدانهم ودنياهم .
– بقلم : الداعية : مهندسة / بهيرة خيرالله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق