هو شيخ الإسلام ووارث علم النبوه ، أبو العباس أحمد تقي الدين ابن الشيخ شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم ، ابن الشيخ مجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن أبي محمد عبد الله أبي القاسم الخضر ، وتعرف هذه الأسرة الطيبة بأسرة ابن تيمية ، ويرجع السبب في تسمية هذه الأسرة إلى أن جدًا من الجدود كانت أمه واعظة ، وكان اسمها تيمية فنسبت الأسرة إليها وعرفت بها .
الميلاد والنشأة :
ولد رحمه الله في مدينة حران الواقعة في شمال شرق تركيا ، نشأ فيها حتى السادسة من عمره ، ولكن حدثت اضطرابات بسبب غارات التتار ففر أهلها إلى دمشق ، وكان أبوه الشيخ شهاب الدين له كرسي للدراسة والتعليم والوعظ والإرشاد بجامع دمشق العظيم .
فتولي مشيخة دار الحديث ، وفيها تربي ولده تقي الدين ابن تيمية ، وكان أيضًا جده عبد السلام بن عبد الله الفقيه الحنبلي إمامًا محدثًا مفسرًا ، صاحب كتاب منتقي الأخبار ، فكان أبوه وجده من أعلام أئمة المسلمين ، ولهما فضل كبير في إثراء حياة الحفيد إمامنًا شيخ الإسلام ابن تيمية .
طلبه للعلم :
اتجه ابن تيمية في صغره إلى حفظ القرآن الكريم ، وبعده اتجه إلى حفظ الحديث وروايته وتلقيه عن رجاله ، وسماع الكتب عن المشايخ الكبار وسماع الدواوين ؛ كمسند أحمد وصحيح البخاري ومسلم وجامع الترمزي وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجة والدارقطنى ، وكان أيضًا يدرس علومًا أخرى فدرس الرياضيات ، ودرس في اللغة العربية المنظور والمنثور والمنظوم وأخبار العرب في القديم.
واهتم اهتمامًا بالغًا بدراسة المذهب الحنبلي وأيضا الشافعي ، ولم يترك بابًا من الأبواب إلا أتقنه حتى قال فيه أحد معاصريه : قد ألان الله له العلوم كما ألان لداوود عليه السلام الحديد ، وكان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن من إتقانه له ، ولا يعرف أنه ناظر أحدًا فانقطع منه ، ولا تكلم في علم من العلوم سواء كان من علوم الشرع أم غيرها ، إلا فاق فيه أهله والمنسوبين إليه ، وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف.
صفاته :
عندما توفي أبوه الشيخ شهاب الدين ، وهو في الحادية والعشرين من عمرة تولي مكان أبيه ، فجلس مجلسه وحل محلة ليدرس الحديث في الجامع الكبير في دمشق ، ووصفه مؤرخنا الذهبي ، وهو جالس علي كرسيه بالجامع الكبير بدمشق قائلًا : كان أبيض أسود الرأس واللحية شعره إلى شحمة أذنيه ، كان عينيه لسانان ناطقان ، ربعه أي متوسط القامة في الرجال ، بعيد ما بين المنكبين جهوري الصوت ، فصيحًا سريع القراءة تعتريه حدة لكن يقهرها بالحلم ، ولم أرى مثله في ابتهالاته واستغاثته بالله وكثرة توجهه .
مؤلفاته وأعماله :
ترك لنا إمامنًا الجليل ثروة ضخمة من مؤلفاته ، وقيل أنها وصلت إلى ثلاثمائة مجلد وأوصلها آخرون إلى خمسمائة مجلد ، ومن أشهر تلك المؤلفات وصار حديث الناس :
-الناظرة في العقيدة الوسطية .
-الوصية الكبرى .
-الوصية في الدين والدنيا .
-رسالة في الاستغاثة .
-رسالة الحلال .
-رسالة في زيارة بيت المقدس .
-رسالة في مراتب الإرادة .
-كتاب بيان الهدى من الضلال في أمر الهلال .
-تفسير المعوذتين .
-رسالة في السماع والرقص .
-رسالة الفرقان بين الحق والباطل .
-معالم الأصول .
-التبيان في نزول القرآن .
-رفع الملام عن الأئمة الأعلام .
-الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح .
-اقتضاء الصراط المستقيم ومجانبة أصحاب الجحيم وهو في الرد علي اليهود والنصارى .
-كتاب في سجود القرآن .
-الفتاوى المصرية .
-الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، وهناك الكثير والكثير من مؤلفاته التي لمعت عبر العصور وانتفع بها الخلق ، وقد كان يكثر بالاستشهاد بالآيات القرآنية ، وكان يتميز بوضوح الفكرة وظهورها ، فلا تعقيد فيها ولا مواربة ولا لبس ولا تغيير ولا تحمل أكثر من وجه.
كان كثير التجوال في البلاد الإسلامية لنشر دعوته وعلمه ، وقد خرج من دمشق مارًا بغزة ، وعقد في جامعها مجلسًا كبيرًا وألقي الدروس بها ووصل إلى القاهرة ، ونشر فيها علمه وفقهه وأثر فيها كثيرًا ، وأثني عليه العلماء أمثال الإمام الذهبي والواسطي والإمام الحافظ الجليل أبو الحجاج المزي ، وأيضًا الإمام الحافظ علم الدين القاسم البرزالي.
وفاته :
توفي شيخ الإسلام ابن تيمية ليلة 22 من شهر ذي القعدة سنة 728هـ ، وترك علمًا وفقهًا وأخلاقًا مازلنا نتعلم منها حتى يومنا هذا ، ويعتبر ابن تيمية أحد أعظم أئمة الإسلام الذين مروا على الأمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق