“رب ضارة نافعة”.. ابتكارات واختراعات ولدتها الحروب وأفادت البشرية

 

“رب ضارة نافعة”.. ابتكارات واختراعات ولدتها الحروب وأفادت البشرية

قيل قديماً: “رب ضارة نافعة”.. فرغ ما تلحقه الحروب والنزاعات من كوارث ومساوئ, إلا انها في نفس كانت سبباً في التوصل إلى ابتكارات واختراعات أفادت البشرية واستخدمتها حتى بعد انتهاء الحروب، وليست جميعها بالضرورة تقنيات حربية وعسكرية، ثمة 4 منها تم استخدامها على يومنا هذا بصور أفادت الإنسان:

الشريط اللاصق

ظهر شريط داكت اللاصق خلال الحرب العالمية الثانية. في واحد من مصانع تعبئة الذخيرة، انتبهت السيدة فيستا ستاوت لطريقة تغليف الخراطيش المستخدمة في قاذفات القنابل، وكانت وقتها تغلّف بالأشرطة وتختم بالشمع لمقاومة الماء، ولكن هذه العملية استغرقت وقتًا وجهدًا من الجنود لفكها.

تبلورت في رأس فيستا فكرة إنشاء شريط لاصق مقاوم للماء، وحاولت إقناع المشرفين، ولكن دون جدوى، فأرسلت فكرتها إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، لتصلها بعد أسابيع رسالة من مجلس الإنتاج الحربي مفادها أن مصنعًا أمريكيًا سيُنفذ فكرتها وسينتج اللاصق الجديد.

أُطلق على الشريط اسم «Duck tape»، فقد كان يصنع من طبقة من قماش قطن البط، وهو ما أكسبه هذا الاسم الذي يعني شريط البط، لأنه صنع من قماش البط القطني، وينسكبُ الماء عليه مثلما يتدحرج على ظهر البط، ولونه أخضر أيضًا. نسيج قطن البط يصنع من القطن، ولكن تنسج خيوطه بنمط معين يزيد قوته ومقاومته للماء.

بعد انتهاء الحرب، لم تختفِ الأشرطة واستخدمها الناس في الإصلاحات المنزلية، واكتسبت اسم «Duct tape» أي الشريط اللاصق، ويصنع الشريط حاليًا من ثلاث طبقات: المطاط، والقماش، والطبقة الخارجية المقاومة للماء ولونها فضيّ.

فوط كوتكس الصحية

قبل اختراع الفوط الصحية ذات الاستخدام الواحد، استخدمت النساء القطن أو القماش أو الصوف للتعامل مع الدورة الشهرية، فكَّرت مجموعة من الممرضات في فرنسا في اختراع ضمادات تستخدم لمرة واحدة سهلة الاستخدام خاصة في المعارك، ولأنها رخيصة يمكن التخلص منها رخصها بعد استعمالها.

بدأ تصنيع هذه الضمادات للبيع وكانت أول فوط صحية يمكن التخلص منها متاحة للشراء عام 1888، كما طورت شركة «جونسون أند جونسون» نسختها الخاصة من المنتج عام 1896، باسم يحمل جملة: «فوط صحية للنساء»؛ ما أحرج النساء من طلبها في المتاجر، وبسبب كلفة هذه الفوط استمر استعمال الطرق التقليدية في تلك الفترة.

طريقة برايل..

نعلم أن طريقة بريل تساعد المكفوفين على القراءة والكتابة، ولكنها لم تطوّر لهم في الأساس. ففي بدايات القرن التاسع عشر ابتكر تشارلز باربييه، أحد جنود جيش نابليون بونابرت، نظام «الكتابة الليلية» ليتمكن الجنود من قراءة رسائل القتال ليلًا دون الحاجة إلى مصابيح تلفت أنوارها أعين العدو؛ إذ تسبب الضوء الساطع في كشف أماكن اختباء الجنود، وسهّل القضاء عليهم.

استند نظام باربييه على مربع بوليبيوس، وهو الذي وصفه المؤرخ اليوناني بوليبيوس في كتاباته عام 150 قبل الميلاد، وهو من طرق التشفير ويتكون من 25 مربعًا، لكل منها إحداثياته الأفقية والرأسية، وللإشارة إلى حرف معين، تكتب إحداثياته داخل المصفوفة، فتجد أن الكلمة تُكوّن من سلسلة من الأرقام المزدوجة.

من وحي مربع بوليبيوس، ابتكر باربييه نظامه ليصبح عبارة عن خلايا، كل خلية بها 12 نقطة بارزة، اثنتان بالعرض، وست بالطول، ولكن هذه الطريقة لم تكن عمليةً إذا كان لا يستطيع الإصبع معرفة محتويات الخلية الواحدة بلمسة واحدة.

عرض باربييه فكرته ونظام القراءة الذي ابتكره على المعهد الملكي للمكفوفين في باريس، وألقى محاضرات لشرح نظامه لمرتادي المعهد، وكان الطفل لويس برايل أحد الحاضرين، وقد التحق بالمعهد عام 1819 في سنّ العاشرة بعد إصابته بالعمى.

عمل برايل على تطوير نظام الكتابة الليلية الذي وضعه باربييه، ولكنه حسّن نظام النقاط البارزة، وأعاد ترتيبه بطريقة تسمح بوضع جميع حروف الأبجدية الفرنسية، وجميع رموز وعلامات الترقيم، واعتمدت الطريقة المستحدثة على خلايا بها ست نقاط فقط، بدلًا عن 12 نقطة، ليتمكن الإصبع من معرفة مكونات الخلية في حركة واحدة فقط.

وهكذا ابتُكرت طريقة برايل واعتمدتها فرنسا رسميًا كنظام اتصال للمكفوفين عام 1854 بعد موت برايل بقرابة عامين، وأضيفت لاحقًا بعض التعديلات الصغيرة، مثل اختصارات للكلمات الكاملة المتكرر ظهورها في اللغة.

إعلان كوتكس

خلال الحرب العالمية الأولى طورت شركة كيمبرلي كلارك الأمريكية القطن السيليلوزي، مصنوع من لب الأخشاب، لإنتاج ضمادات للجنود، واستخدمتها الممرضات في فترات الدورة الشهرية وكان سعرها أرخص من القطن وأكثر قدرة على امتصاص الدم. وبعد انتهاء الحرب وصلت الشركة مجموعة رسائل من ممرضات عن استخدامهن للضمادات.

ولكن التحدي الأصعب كان الإعلان عن المنتج وبيعه، فلجأت الشركة إلى اختبار اسم غامض لا يشير إلى الدورة الشهرية، وتتمكن النساء من شرائه دون إحراج، ووقع الاختيار على كلمة جديدة لم يعرف معظم الرجال معناها: «Kotex»، أي نسيج قطني.

وكانت حملة شركة كوتكس الإعلانية عام 1921 هي المرة الأولى التي يُعلن فيها عن الفوط الصحية على نطاق واسع في المجلات النسائية، ولكن دون ذكر طريقة استخدامها. وهكذا، مهدت كوتكس وإعلاناتها الطريق لمجموعة واسعة من منتجات النظافة النسائية في السوق اليوم.

 التوقيت الصيفي..

في يوليو عام 1908 قدَّم سكان بورت آرثر في مقاطعة أونتاريو الكندية ساعاتهم للأمام ساعة واحدة، لتكون هذه أول مرة يستخدم فيها التوقيت الصيفي، ولكن الفكرة لم تنتشر عالميًا حتى عام 1916 عندما أدخلت ألمانيا التوقيت الصيفي خلال الحرب العالمية الأولى، فقدمت الساعات في الإمبراطوريتين الألمانية والنمساوية ساعةً واحدة.

لجأت ألمانيا لهذا الإجراء لتقليل استخدام الإضاءة ليلًا لتوفير الوقود للاستعمال الحربي. وسرعان ما تبعتها بريطانيا وفرنسا وعدد من بلدان العالم، كما سنَّ الكونجرس الأمريكي أول قانون للتوقيت الصيفي في مارس 1918، وأثناء الحرب العالمية الثانية، حافظت بعض الدول على تقدم الساعات بشكل مستمر لمدة ساعة، وأنهى بعضها التعامل بالتوقيت الصيفي بعد انتهاء الحرب، ولا تزال هناك العديد من دول العالم تعتمد عليه حتى يومنا هذا.

سبقت الحرب محاولات أخرى لتغيير التوقيت الصيفي في القرن التاسع عشر، ولكنها باءت بالفشل، ففي عام 1895، اقترح عالم الحشرات النيوزيلندي جورج هودسون تقديم الوقت لمدة ساعتين ليستطيع العمل مع وجود ضوء الشمس. وبعد سنوات، اقترح البريطاني ويليام ويليت على البرلمان الإنجليزي تقديم الساعة بمقدار 80 دقيقة في أربع حركات مدة كل منها 20 دقيقة خلال شهر أبريل (نيسان) والعكس في سبتمبر، من أجل الاستغلال الأمثل لساعات النهار، ولكن الحكومة البريطانية رفضت هذا الاقتراح، ولم تنفذه حتى عام 1916، بعد وفاة ويليت بعام واحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق