رباعيات الأحزان
(( فوازير الأنبياء ))
----------------------------
إعداد وتقديم
فارس الليل الحزين
محمد عطية محمد
أجابة الحلقة الثامنة والعشرين :
سيدنا الخضر علية السلام
-------------------------------
(( الحلقه التسعة والعشرون ))
والدها هو عمران بن ياشم بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أحريق بن يوثم بن عزاريا بن أمصيا بن ياوش بن أجريهو بن يازم بن يهفاشاط بن إنشا بن أبيان بن رخيعم بن سليمان بن داود عليهما السلام.
وُلدِت السيدة ام النبي في مدينة الناصرة في دولة فلسطين، وفي الناصرة كان بيتها أيضًا، وتسمّى نصارى، ومن الجدير بالذّكر أنّ الناصرة هي ذات المدينة التي نشأ فيها السيّد المسيح -عليه السّلام-، فعندما حانتْ ولادةُ السيدِ المسيح خرجت السيّدة ام النبي من الناصرة وقصدت بيت المقدس لتلد المسيح، وهذا هو السببُ الذي جعل اليهود يسمّونه يسوع الناصريّ ويسمّون أتباعه بالنّصارى.
تبدأُ قصّةُ السّيّدة ام النبي من أبوين مؤمنين وهما: عمران وحنّة، وقد كانت أمّها عاقرًا لم يرزقها الله -تعالى- بالذريّة، وكان والدا السيدة ام النبي يتجرعان ألم الحرمان خلال السنوات التي حُرما فيها من الأولاد، ولكنّ الأمّ حنّة لم تيأس من روحِ الله وظلّت تدعوه راجيّة إياه بأن يرزقها بالولد، وقد وصل بها الحال أنّها كانت تدعو ربّها وتبكي وترجوه بأن يستجيب لها.
فتوفي عمران وزوجته حنة تحمل ببطنها جنينًا كانت قد نذرته لله تعالى ومعنى ما نذرت هو أنها جعلت ما في بطنها محررًا للعبادة، و عندما ولدت السيدة ام النبي حصل نزاع بين الصالحين في قومها لانها
تحتاج إلى من يكفلها ويرعاها ليقوم بشؤون حياتها، ولذلك ألقى الرُّعاة قرعةً على من يكفلها، فوقعت على زكريا -عليه السلام-، فكان كافلاً لها وراعياً لمصالحها حتى كبرت، فنشأت على الصلاح والطهارة والعبادة.
بقيت السيدة أم النبي عابدةً زاهدةً معتزلةً أهلها في مكان من جهة الشرق، وكان المكان معزولاً عن الناس بحجاب أو حاجز وبينما هي على تلك الحالة أرسل الله -تعالى- إليها جبريل -عليه السلام- فتشكّل على هيئة رجل ثمّ دخل عليها، فخافت خوفاً شديداً، وتفاجئت ثمّ قالت له قبل أي سؤال أعوذ بالله منك، فلا تقربني إن كنت تخشى من الله وتتقيه، فأجابها جبريل عليه السلام وطمأنها بأنّه مبعوث من الله -عزّ وجلّ- ولا يريد بها السوء ولكنّه أتى ليرزقها غلام بأمر الله، فتعجّبت الطاهرة العفيفة العابدة الزاهدة نذر أمّها الذي تقبّله الله بقبول حَسن، وقالت: كيف يكون لي ولد ولم يسبق لي الزواج من إنسان ولم أكن لأفعل الزنا، فبشّرها بأنّ الولد سيُخلق من غير أب ليكون آية للنّاس على قدرة الله عزّ وجلّ، ثمّ نفخ جبريل -عليه السلام- في فمها، وقيل في جيب درعها، فوصلت النفخة إلى بطنها فحملته، فلمّا حملته اعتزلت قومها وذهبت إلى مكان بعيد في أقصى القرية، حتى جاء موعد الولادة فلجأت إلى جذع نخلة، وفي هذه الأثناء اختلطت مشاعر حبّ الله والإيمان به والخوف من اتهامها في دينها وطهارتها في وجدان السيدة ام النبي عليها السلام، فتمنّت الموت قبل الولادة، ثمّ بعث الله -عزّ وجلّ- بمعجزة تُخلّد ذكرها إلى يوم القيامة، فتكلّم عيسى -عليه السلام- مع أمه بأن لا تحزن حيث جعله الله عظيماً من عظماء الدنيا، وقال لها بأن تهزّ جذع النخلة لينزل عليها رطباً لتأكل منها، وقال لها أيضاً بأنّها لا تتكلم إذا قابلت قومها، قيل إنّ مدّة حَمْل مريم كحمل عامّة النّساء كما نُقل عن أهل العلم قَوْلهم إنّ حملت بعيسى -عليه السلام- مدة ثلاثة أيّامٍ، وذكر بعضهم أنّها حملته لساعاتٍ معدودةٍ. ورجّح المحققون من أهل العلم أنْ تكون تلك المدّة تسعة أشهرٍ؛ وقد ذكر أنّ رجلٌ صالحٌ من أقاربها كان يخدم في البيت المقدس معها، قد انتبه لعلامات الحَمْل عندها، وقد امتنع عن سؤال السيدة ام النبي عن حَمْلها؛ لعلمه بإيمانها، وعفّتها، وحين عَظُم حجم بطننها ، سألها الرجل عن حالها. فأجابت بأنّ الله قادرٌ على خَلْق إنسانٍ دون أبٍ؛ لأنّه خلق الشجر والزرع أوّل مرةٍ دون حبٍّ أو بذرٍ، وكذلك خلق آدم -عليه السلام- من دون أبٍ، فصدّق الرجل كلام السيدة ام النبي بمجرّد سماعه لجوابها. جاءت السيدة ام النبي التي جعلها الله وابنها آيةً للعالمين، فقد اختارها الله لتحمل بعيسى -عليه السلام- دون أبٍ، فاشتملت على كثيرٍ من العِبر والآيات التي تُظهر قدرة الله على الخَلْق والإيجاد. وقد جلى جبريل عن السيدة ام النبي خوفها، وأزال عنها تعجّبها، حينما بيّن لها أنّه رسولٌ من الله، لا يريد بها ضرّاً أو أذىً، بل جاء ليبشّرها بغلامٍ زكيٍ سيهبه الله إيّاها ثمّ جادلت السيدة ام النبي الصدّيقة جبريل -عليه السلام- مدفوعةً بمشاعر الخوف على سُمعتها بين الناس، فقد عُرفت بينهم بالطُّهر والعفاف، فبيّن لها جبريل -عليه السلام- أنّ ذلك الأمر تقديرٌ من الله -تعالى-، ليكون ذلك الغلام آيةً للنّاس مُخاطباً إيمانها الراسخ بمشيئة الله وأمره الذي لا يُردّ ولا يُدفع، ثمّ أكمل جبريل -عليه السلام- حديثه معها ، بتبشيرها بعيسى -عليه السلام- ذلك الغلام الذي سيكون له شأناً في كبره، ويجري الله على يديه المعجزات، ومن بينها تكليم الناس في المهد فلم تتردّد السيدة ام النبي -عليها السلام- في قبول أمر الله -تعالى-، والاستجابة له. ما بعد حمل السيدة ام النبي ازدادت مخاوفها -عليها السلام- حينما عاينت آلام الحمل، فبدأت تفكّر بحالها بعد الولادة، وكيف ستُقابل قومها حاملةً على يديها ذلك المولود، وقد غاب عنها في تلك اللحظات أنّ الله سوف يُظهر براءتها لقومها،ووحينما قدمت إلى قومها أوحي إليها أن تُشير إلى ذلك الغلام؛ لترفع الحرج عنها بجواب مولودها، فتعجّب القوم من قولها، كيف لهم أن يستمعوا أو يكلّموا صبياً في مهده.
براءة لأمه تكلم، أنطقه الله وهو في المهد، فلما تلكم وهو في المهد علم الناس براءة أمه، وأن أمه بريئة، وأنها طاهرة، لأنها أتت به من دون زوج، ما تزوجت، خلقه الله من دون أب، فلما تكلم في المهد صار فيه براءة لأمه و قال لهم بأنه عبد لله تعالى ونبي من عنده
و كان يبيّن عيسى -عليه السلام- بركته للناس في كلّ مكانٍ وزمانٍ، بفَضْل ما يدعو إليه من الخير والفضيلة، وما ينهى عنه من الشرّ والرذيلة، مذكّراً قومه بوصية الله له بأداء حقّ الله من الصلاة الواجبة، وأداء حقّ العباد بدَفْع أموال الزكاة إليهم. واختتم قوله ببيان برّه بوالدته، وأنّ الله لم يكتبه في زمرة الجبابرة الأشقياء، بل هو نبيٌ اجتمعت فيه محاسن الأخلاق، حتى استحقّ سلام النفس منذ ميلاده، مروراً ببعثته، إلى حين مماته وبعثه. وقد تجلّت حكمة الله في خَلْق عيسى -عليه السلام- دون أبٍ في أنّ الله -تعالى- أراد أن يُظهر قدرته على الخَلْق باختلاف الأحوال والظروف، فقد خلق الله آدم -عليه السلام- من غير أبٍ ولا أمٍّ، كما خلق حوّاء من ذكرٍ فقط دون أنثى؛ من آدم، ثمّ جعل الخَلْق من ذكرٍ وأنثى. ثم جاء خلْقُ عيسى -عليه السلام- من أمٍّ بلا أبٍ مُكمّلاً مظاهر الإعجاز الإلهي في الخلْق، وتأكيداً على عظمة قدرته، ونفاذ إرادته -سبحانه-
تحدّثت الديانات السماويّة عن وفاة السيّدة أم النبي فالطّوائف المسيحيّة ترى بأنّها رفعت إلى الله تعالى بالجسد والرّوح على خلاف في تفاصيل ذلك؛ فالكاثوليك يرون أنّها لم تمت لأنّها لم تتحمّل الخطيئة وإنّما رفعها الله إليه بجسدها وروحها، أمّا الأرثذوكس فيرون أنّها دفنت في بستان الزّيتون في القدس في فلسطين ولكنّها بعثت منه بعد ردّ روحها إليها بفترةٍ قصيرة لتصعد إلى بارئها بجسدها وروحها . أمّا في المعتقد الإسلامي فالسيدة أم النبي وإن اصطفاها الله تعالى على نساء العالمين فهي كالبشر في مأكلها ومشربها وسائر أحوال الدّنيا، وبالتّالي يجري عليها الموت الذي كتبه الله على جميع خلقه، ولا يوجد علم بمكان دفنها على التّحديد.
فمن هي أم النبي عليه السلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق