عبد الرازق احمد الشاعر يكتب....لست أفعى - منتديات غزل وحنين
عبد الرازق احمد الشاعر يكتب....لست أفعى
لست أفعى
حين تنكرك الأرض، فتضن عليك بالبقل والقثاء والفوم والعدس والبصل، وتتنكر لك السماء، فلا تسقط عليك إلا البراميل التي تشوه معالمك ومعالم المدن وشواهد القبور، فاعلم أنك سوري مضطر للرحيل إلى أي بعيد. لكن عليك وأنت تلقي هويتك عند حدود لم تعد كالحدود أن لا تثق بأي علم لأي سفينة تحمل أثقالك وأثقالا مع أثقالك، لأنك لا تدري بأي أرض تموت.
ولن تحميك شجرة كريسماس تضعها في فنائك الأمامي من لهيب التهم الموجهة إلى عنصرك. وستبقى رهين المحبسين وإن لبست الجينز ووضعت قبعة تخفي سواد شعرك ولون عينيك. وعليك أيها المهاجر من الموت إلى المهانة أن تثبت لواضعي الأختام فوق طلب لجوئك أنك لست جرذا ولست أفعى. فالأختام وحدها ليست كفيلة ببقائك فوق أرض تنكرك، وتعتبرك نتوءا سرطانيا يهدد مثانة مجتمع يبول فوق كل الخرائط دونما اشتهاء.
المفوض الزراعي في هيوستن لا يثق بالملامح الشرقية وإن كانت بائسة، ولا يفرق بين الذين يضعون أحزمة ناسفة حول خصورهم وأولئك الذين يتمنطقون بأحزمة فقر تخفض قرقرات بطونهم، ويتمادى الرجل فيشير إلى صور أفاع وصور لاجئين ويقسم أنه لا يرى فروقا في الملامح، وأن خطر اللاجئين على مستقبل البلاد لا يقل عن خطر الأفاعي السامة.
وأمام صفاقة الرجل، اضطر كمال، ذلك القادم من بلاد الرعب إلى بلاد المن والسلوى أن يكشف عن خصره أمام الكاميرات ليؤكد أنه لا يحمل في جنبه إلا ندوبا لجرح قديم. وأنه لا يخفي ذيلا في طيات ثيابه، وأنه مجرد بائس اقتلعه النظام من أهله وعشيرته وألقى به في غياهب السجون حين وقف في ميادين 2011 ليطالب بإسقاط النظام.
وفي السجن، فقد الرجل روحه المرحة وإنسانيته وأحلامه المتواضعة وكلية قرر أطباء النظام أنه لم يعد في حاجة إليها. وحين خرج، أدرك أنه فقد الوطن والأهل، وأنه مضطر للبحث عن أي خيمة إيواء يضع فيها فرخا ودجاجتين وبيضة لم تفقس بعد. وفي هيوستن حملت الوليدة جنسية المهجر، فاستبشر الرجل. لكن "سيد ميلر" أراد أن يضع بتصريحاته العنصرية حدا لطموحات كمال وأحلامه التي لم تكد تورق في أرض المهجر.
"هل أتوا بنا إلى هذا المكان ليؤلبوا الناس علينا؟" يقول كمال "يطالبوننا بالانخراط في المجتمع، ثم يقولون للناس هؤلاء إرهابيون فاحذروهم. أيعقل هذا؟" لكن ما لم يدركه كمال أن العربي متهم حتى تثبت براءته وإن كان في بلد عربي، وأن الندوب المتفرقة في أنحاء جسده ليست صكوك براءة، وأن ملامحه ستظل تؤرقه وتؤرق من حوله حتى تنشق خريطة العالم إلى فسطاطين.
قد لا يستطيع كمال أن يضم والدته المصابة في سوريا إلى رحل اللاجئين، وربما يتعرض أحد الموتورين من اليمين المتطرف له أو لأبنائه أو لزوجته بالأذى، وقد لا يستمر في عمله طويلا، وربما تظهر تشريعات جديدة تحرمه من حقوق المواطنة وحقوق الآدمية، لكن المؤكد أنه سيخسر عما قريب تلك البسمات الوادعة التي استقرت على ملامح جيرانه المسيحيين منذ قدومه في يناير الماضي إلى البلاد.
عبد الرازق أحمد الشاعر
حين تنكرك الأرض، فتضن عليك بالبقل والقثاء والفوم والعدس والبصل، وتتنكر لك السماء، فلا تسقط عليك إلا البراميل التي تشوه معالمك ومعالم المدن وشواهد القبور، فاعلم أنك سوري مضطر للرحيل إلى أي بعيد. لكن عليك وأنت تلقي هويتك عند حدود لم تعد كالحدود أن لا تثق بأي علم لأي سفينة تحمل أثقالك وأثقالا مع أثقالك، لأنك لا تدري بأي أرض تموت.
ولن تحميك شجرة كريسماس تضعها في فنائك الأمامي من لهيب التهم الموجهة إلى عنصرك. وستبقى رهين المحبسين وإن لبست الجينز ووضعت قبعة تخفي سواد شعرك ولون عينيك. وعليك أيها المهاجر من الموت إلى المهانة أن تثبت لواضعي الأختام فوق طلب لجوئك أنك لست جرذا ولست أفعى. فالأختام وحدها ليست كفيلة ببقائك فوق أرض تنكرك، وتعتبرك نتوءا سرطانيا يهدد مثانة مجتمع يبول فوق كل الخرائط دونما اشتهاء.
المفوض الزراعي في هيوستن لا يثق بالملامح الشرقية وإن كانت بائسة، ولا يفرق بين الذين يضعون أحزمة ناسفة حول خصورهم وأولئك الذين يتمنطقون بأحزمة فقر تخفض قرقرات بطونهم، ويتمادى الرجل فيشير إلى صور أفاع وصور لاجئين ويقسم أنه لا يرى فروقا في الملامح، وأن خطر اللاجئين على مستقبل البلاد لا يقل عن خطر الأفاعي السامة.
وأمام صفاقة الرجل، اضطر كمال، ذلك القادم من بلاد الرعب إلى بلاد المن والسلوى أن يكشف عن خصره أمام الكاميرات ليؤكد أنه لا يحمل في جنبه إلا ندوبا لجرح قديم. وأنه لا يخفي ذيلا في طيات ثيابه، وأنه مجرد بائس اقتلعه النظام من أهله وعشيرته وألقى به في غياهب السجون حين وقف في ميادين 2011 ليطالب بإسقاط النظام.
وفي السجن، فقد الرجل روحه المرحة وإنسانيته وأحلامه المتواضعة وكلية قرر أطباء النظام أنه لم يعد في حاجة إليها. وحين خرج، أدرك أنه فقد الوطن والأهل، وأنه مضطر للبحث عن أي خيمة إيواء يضع فيها فرخا ودجاجتين وبيضة لم تفقس بعد. وفي هيوستن حملت الوليدة جنسية المهجر، فاستبشر الرجل. لكن "سيد ميلر" أراد أن يضع بتصريحاته العنصرية حدا لطموحات كمال وأحلامه التي لم تكد تورق في أرض المهجر.
"هل أتوا بنا إلى هذا المكان ليؤلبوا الناس علينا؟" يقول كمال "يطالبوننا بالانخراط في المجتمع، ثم يقولون للناس هؤلاء إرهابيون فاحذروهم. أيعقل هذا؟" لكن ما لم يدركه كمال أن العربي متهم حتى تثبت براءته وإن كان في بلد عربي، وأن الندوب المتفرقة في أنحاء جسده ليست صكوك براءة، وأن ملامحه ستظل تؤرقه وتؤرق من حوله حتى تنشق خريطة العالم إلى فسطاطين.
قد لا يستطيع كمال أن يضم والدته المصابة في سوريا إلى رحل اللاجئين، وربما يتعرض أحد الموتورين من اليمين المتطرف له أو لأبنائه أو لزوجته بالأذى، وقد لا يستمر في عمله طويلا، وربما تظهر تشريعات جديدة تحرمه من حقوق المواطنة وحقوق الآدمية، لكن المؤكد أنه سيخسر عما قريب تلك البسمات الوادعة التي استقرت على ملامح جيرانه المسيحيين منذ قدومه في يناير الماضي إلى البلاد.
عبد الرازق أحمد الشاعر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق