الخُشوعُ لغةً مأخوذة مِن يخْشَع، ويخشع بمعنى السّكونُ والتذلّلُ، وخشِعَ المُسلمُ في صلاتِهِ ودُعائِهِ، أي أقبلَ على ذلكَ. وهو مأخوذٌ مِنْ خشِعت الأرضُ، إذا سكنَتْ واطمأنَّتْ، وخشِعَ بصرُهُ أي انكسر، ومنهُ قولُهُ سُبحانهُ وتعالى: (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ).[١]
الخشوعُ اصطلاحاً: هيئةٌ في النَّفسِ، يظهَرُ منها في الجوارِحِ سكونٌ وتواضُع، والتخشُّع تكلُّفِ الخُشوعِ، التخشُّع للهِ عزَّ وجلَّ التذلّلُ لهُ سُبحانه، هكذا قال القرطبي. وقيل الخُشوعُ في القلبِ هو الخوفُ، ويأتي بِمعنى غضّ البصرِ في الصَّلاةِ.[٢]
وقد يكونُ الخُشوعُ مذموماً، وذلك بأن يتكلَّفَ المُصلِّي بفعلِهِ أمامَ النَّاس بمُطأطأةِ الرأسِ مثلاً، والتّباكي المُبالغِ فيهِ؛ لِيُوصفَ بالبرِّ والإجلال، وهذا يُعتَبَرُ خِداعاً مِنْ فعلِ الشَّيطانِ.[٣] ويأتي الخُشوعُ بمعنى استحضارُ المُصلِّي عظمة اللهِ عزَّ وجلَّ وهيبتُهُ وأنَّهُ لا يُعبد ولا يُلجأ إلى سِواهُ سبحانهُ.[٤]
كيفية الخشوع في الصلاة
الخشوعُ في الصلاةِ هو السكون فيها، وعلى المصلِّي أن يُظهر التذلّلُ للهِ عزَّ وجلَّ بقلبهِ وجميع جوارحهِ، وذلك بحضورِ القلبِ وانكسارهِ بين يدي اللهِ تعالى، والجوارحُ سكونها وسكوتها ذليلةً لله سبحانهُ. أمّا كمالُ الخشوعِ فإنّه يتحقّقُ بتصفيةِ القلبِ من الرياءِ للخلقِ في الصلاةِ، وبالخشوعِ في الصلاةِ يَكثرُ ثوابها أو يقلّ حسبما يعقل المصلّي في صلاتهِ، وعليه استشعارُ الخضوعِ والتواضعِ للهِ عزَّ وجلَّ عند ركوعهِ وسجودهِ، وأن يمتلئَ قلبهُ بتعظيمِ اللهِ عز وجلّ عند كل جزءٍ من أجزاء الصلاةِ، وأن يبتعد المُصلّي في صلاتهِ عن الأفكارِ والخواطرِ الدنيويّة، والإعراضِ عن حديثِ النفسِ ووسوسةِ الشيطانِ؛ ذلك أنّ الصلاةَ مع الغفلةِ عن الخشوعِ والخضوعِ لله عز وجل لا فائدة فيها.[٥]
أمور تساعد على الخشوع
من الأسبابِ التي تُساعدُ المسلمَ على الخشوعِ في الصّلاةِ ما يأتي:[٦]
تقديمِ السننِ على الفرائضِ؛ ففيها من اللطائفِ والفوائدِ الشيءَ الكثيرَ، ذلك أنّ النفسَ البشريةَ تتعلقُ بأمورِ الدنيا وأسبابها، فيبتعدُ القلبُ ويذهبُ الخشوعُ في الصلاةِ، فإذا قدَّم المسلمُ السننَ على الفريضةِ فإن النفسَ تأنسُ بالعبادةِ، وتتكيّفُ بالخشوعِ، فيدخلُ في الفريضةِ بحالةٍ أفضل ممّا لو دخلَ الفريضةَ من غير تقديمِ السُنّةِ.[٧]
أجمعَ العلماءُ على أنّ ما يساعدُ المسلمَ على الخشوعِ في الصلاةِ والخضوعِ للهِ عز وجلَّ غضُّ البصرِ عما يُلهي، وكراهةُ الالتفاتِ ورفعُ البصرِ إلى السماءِ، فيُستحَبُّ للمصلي أن ينظرَ إلى موضعِ سجودهِ إن كان قائماً، والنظرُ إلى قدميهِ أثناءَ ركوعهِ، وفي حالِ سجودهِ إلى أرنبةِ أنفهِ، وفي حالِ تشهُّدهِ يُستحبُّ النَّظرُ إلى حِجرهِ.[٨]
العلم أنّ ليس له من الصلاة التي يُصلّيها إلا ما حضر فيها قلبه، وممّا يُعين المسلم على استحضار الخشوع في الصلاة معرفة كيفيّة صلاة النبي -عليه الصّلاة والسّلام-؛ حيث كان إذا دخل في صلاته طأطأ رأسه ورمى ببصره إلى موضع سجوده.
على المسلم معرفة أحوال السلف الصالح من الصحابة -رضوان الله عليهم- وخشوعهم في صلاتهم؛ لأنّ ذلك يزيد من حبّه لصلاته وخشوعه، فهم يعبدون الله عز وجل كأنّهم يرونه، وهو أعلى وأعظم درجات الإحسان في العبادة، فهذا أبو بكر -رضي الله عنه- يبكي في صلاته، والتابعي عروة بن الزبير يخبر الأطباء بقطع رجله عند دخوله في الصلاة لأنه لا يشعر بذلك لشدّة تعلّقه بالله عز وجل وخشوعه في صلاته، والإمام البخاري المُحدِّث والفقيه يلسعه الزّنبور في جسده في سبعة عشر موضعاً ولم يترك صلاته، ولم ينظر لجسده حتى انتهى منها، فمن يرى مثل هؤلاء وخشوعهم في صلاتهم يتعلق قلبه بصلاته، وتخشع جوارحه جميعها.
حكم الخشوع في الصلاة
اختلفَ الفقهاءُ في حكمِ الخشوعِ في الصلاةِ؛ هل هي سنةٌ أم فرضٌ، أم تُعتبرُ من فضائِلها ومُكمّلاتِها:
القول الأول: ذهب جمهورُ الفقهاءِ إلى أنّ الخشوعَ في الصلاةِ سُنّةٌ من سننِ الصلاةِ، بدليلِ صحةِ صلاةِ من يُفكّرُ في الصلاةِ بأمرٍ دنيويٍّ، ولم يقولوا ببطلانِ صلاةِ من فكَّر في صلاتهِ.[٩]
القول الثاني: ذهب أصحاب هذا القول إلى أن الخشوع في الصلاة واجب؛ وذلك لكثرة الأدلة الصحيحة على ذلك، ومنها قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)،[١٢] وقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ).[١٣] والخشوع الواجب في الصلاة الذي يتضمّن السكينة والتواضع في جميع أجزاء الصلاة، ولهذا كان الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- يقول في ركوعه: (اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، خشع لك سمعي وبصري، ومُخّي، وعظمي، وعصبي)، فجاء وصف النبي -عليه الصّلاة والسّلام- بالخشوع أثناء ركوعه، فيدل على سكونه وتواضعه في صلاته.
مشروعية الخشوع في الصلاة
الأصلُ في طلبِ الخُشوعِ في الصلاةِ ما دلَّ عليهِ في القرآنِ الكريمِ والسُّنةِ النبويةِ. قالَ تعالى في كتابهِ العزيز: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)،[١٥]فالمؤمنون هم الذين يخشعون في صلاتهم، ومعنى الخشوعِ هنا: لينُ القلبِ وكف الجوارحِ.[١٦]
ومن السُّنِة النبويةِ قولهُ -عليه الصّلاة والسّلام: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ)؛[١٧] أي استحقّ بفعله هذا الجنّة، وأصبحت واجبةً له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق